على مشارف نهاية مسيرتها المهنية التي استمرت 36 سنة، كانت يسرية أحمد(*)، مُدرِّسة المرحلة الابتدائية، تتوقع أن تتمتع بما تمنحه لها درجتها الوظيفية، معلم خبير، من مزايا، خاصة بعد بلوغها 57 سنة، لكنها لا تزال تضطر إلى العمل طوال اليوم الدراسي تقريبًا، دون راحة.
حسب قانون كادر المعلم عام 2013، نصاب المعلم الخبير في المرحلة الابتدائية 18 حصة فى الأسبوع وفق نص تعديلات المادة (22) من اللائحة التنفيذية للقانون، غير أن العجز في أعداد المعلمين بالمدارس الحكومية، لا يسمح بالالتزام بالنصاب المحدد لكل فئة، إذ ينوب يسرية 26 حصة فى الأسبوع، بواقع 6 إلى 7 حصص فى اليوم.
التقت المنصة مع مجموعة من مُعلمات المرحلة الابتدائية اللاتي شارفن على الوصول لسن التقاعد، يعملن سويًا في إحدى المدارس الابتدائية بمحافظة الجيزة، فتبين أثر ضَعف مخصصات التعليم في ميزانية الدولة عليهن.
طلاب بلا معلمات
تستحوذ المعلمات على الأغلبية في التعليم قبل الجامعي بـ62.6% مقابل 37.3% للمعلمين الذكور، إذ بلغ عدد المعلمات 578 ألفًا و233 معلمة، مقابل 344 ألفًا و395 معلمًا، إلا أن ذلك لم يُترجم في الإدارة المدرسية، إذ تراجعت نسبة الإناث أمام الذكور بـ44.9% مقابل 55.1%.
وترجع دراسة بعنوان "تأنيث القطاع التعليمي في مصر" زيادة تمثيل المرأة في مهن الرعاية والتعليم في مرحلة الطفولة المبكرة، إلى معتقدات ثقافية خاصة بطبيعة هذا العمل، بوصفه امتدادًا لدور الأم. ولكن هذا يخلق أيضًا قدرًا كبيرًا من التحيز ضد الرجال في مهنة الرعاية والتعليم في مرحلة الطفولة المبكرة، حيث تسود فكرة أنهم غير أكفاء لأداء أدوار الأم.
طبقًا لكتاب الإحصاء السنوي الدراسي الصادر عن وزارة التربية والتعليم 2023/2024 فإن أعداد المعلمين فى المدارس المصرية يبلغ 922 ألفًا و628 معلمًا، وبالمقارنة مع إجمالي أعداد المعلمين في العام الدراسي السابق، نجد أن الفارق 33 ألفًا و71 معلمًا إذ كان يبلغ عددهم 955 ألفًا و699 العام الماضي. ويأتي هذا العجز من وصولهم سن التقاعد، مع عدم تعيين مدرسين جدد.
لا تحتاج يسرية لكتاب الإحصاء السنوي، فهي مدركة للعجز وتتحمل تكلفته، تقول لـ المنصة "عندنا عجز 64 مدرس واللي بييجي جديد عدد قليل، مش بيسد العَجز، وبناخد نِصاب كبير فوق المحتمل"، يضاف إلى كبر النصاب، ضآلة الراتب.
كان محمد عبد اللطيف وزير التربية والتعليم الجديد، قدم ما يعتبره حلًا للمشكلة، بأن تُحسب الحصة فوق النصاب القانوني بـ 50 جنيهًا، وهو ما اعتبره إبراهيم شاهين، وكيل نقابة المعلمين، أجرًا مجزيًا. يقول لـ المنصة "الحصة كانت بـ 20 جنيه، كمان فيه تعيين لـ30 ألف معلم، استلموا شغلهم بالفعل".
بافتراض أن هذا الحل مجديًا بالفعل لكنه لا يناسب الجميع. فيسرية مثلًا تشكو مشكلات صحية ترجع إلى تقدمها في العمر وطبيعة المهنة التي تمارسها، ما يعوقها عن العمل فوق النصاب "عندي خشونة والتهاب في المفاصل ودوالي. والشغل يتطلب الوقوف طول اليوم. أنا بشتغل مع 90 تلميذ في الفصل".
تضمنت القرارات الوزارية الجديدة تحويل الغرف المخصصة للموسيقى والرسم إلى فصول دراسية، وهو ما تعلق عليه موجهة اللغة العربية عزيزة إبراهيم(*)، بأنه لا يحل المشكلة على العكس يزيد من أثر نقص المعلمين، تقول لـ المنصة "فرد الفصول لتقليل كثافتها أدى إلى تفاقم مشكلة عجز المعلمين، لأن المتقدمين للعمل بالأجر أقل بكتير من المطلوب".
أجمعت المدرسات على أن هذه الحلول غير مجدية، "إحنا 21 مُدرِّسة على 1800 تلميذ، وعدد المُدرسين بالأجر أقل من إنه يسد العجز"، تمثل حالة المدرسة التي يعملن بها، بعد احتساب المدرسين بالأجر، ما يتراوح بين 39 إلى 72 تلميذًا لكل مدرس.
لا وجود للنقابة
لم تقدم الوزارة حلولًا لمشكلة ضَعف الأجور. تُعبر وردة محمد(*) والتي تبلغ من العمر 57 سنة، على درجة معلم خبير، عن ضيقها من ضعف الرواتب مقابل المجهود. تقول لـ المنصة "حصص كتير، مع الكثافة العالية، وضعف شديد في الرواتب، فأساسي المرتب على 2014، وبعدما رفعنا قضية من عامين بقينا بنقبض على أساسي 2016 بزيادة 100 جنيه بس. ونُحاسَب ضريبيًا على أساسي 2024".
فيما تستبعد سمية محمود(*)، ذات الـ57 سنة، أن تلجأ إلى المعاش المبكر، رغم مشكلاتها الصحية والمجهود الكبير الذي تبذله "عشان بحب شغلي، وبستمتع بالتدريس للأطفال اللي أحفادي بقوا أكبر منهم دلوقتي" تقول لـ المنصة.
في الوقت نفسه تشكو سمية ضَعف مكافأة نهاية الخدمة والمعاش الذي تصرفه النقابة، "معاش النقابة 120 جنيه يُصرف كل 3 شهور، ومكافأة النقابة عند نهاية الخدمة 35 ألف جنيه بس" مستنكرة ضَعف دور النقابة "نقابة المعلمين مابتعملناش حاجة".
وهو ما نفاه إبراهيم شاهين وكيل أول نقابة المعلمين، إذ قال لـ المنصة "نقابة المعلمين هي الوحيدة فى مصر اللي ليها تواجد فى كل المراكز الإدارية، وعددها 500 لجنة نقابية فى أنحاء الجمهورية، ونادي في كل مركز".
يحدد وكيل النقابة الدعم المادي الذي تقدمه النقابة لأعضائها بقوله "بنقدم إعانات صحية للأمراض المستعصية تصل لـ 20 ألف جنيه، وإعانات للمتزوجين حديثًا سواء المُدرسين أو أبنائهم تصل أيضًا لـ20 ألف جنيه، إضافة إلى الخدمات الترفيهية مثل الرحلات والمصايف والعمرة المدعومة وكثير من الخدمات".
شرعية بلا تجاوب
يُرجع شاهين سبب شعور المُدرِّسات بتجاهل النقابة إلى حجم الظلم الواقع عليهن منذ عشرات السنين "مكافأة النقابة كانت 15 ألف جنيه وزادت حتى وصلت إلى 42 ألفًا، والمعاش 120 جنيه يتم صرفه كل 3 شهور 360 جنيه".
يعترف شاهين بوجود المشكلات، لكنه يؤمن بالطرق الشرعية في تصعيدها "إحنا مش من النقابات اللي بتخرج عن الشرعية وتخرج فى الشارع"، في إشارة إلى المظاهرات والإضرابات العمالية.
وتنص المادة 192 من قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 على أن "للعمال حق الإضراب السلمي، ويكون إعلانه وتنظيمه من خلال منظماتهم النقابية دفاعًا عن مصالحهم المهنية والاقتصادية والاجتماعية"، وينص القانون على عدد من المواد التي تنظم الإضراب.
ولكن حسب شاهين، تلتزم نقابة المعلمين بعقد لقاءات مع المسؤولين ووكيل الوزارة، أو تقديم المذكرات لجهات الاختصاص، ويضيف "قابلنا لجنة التعليم في مجلس النواب عشان ننقاشهم في تعديل القانون ونزود موارد النقابة، وبالتالي نقدر نزود المعاش. لكن للأسف ملقيناش تجاوب".
تُظهر إحصاءات مركز معلومات وزارة التربية والتعليم، أن نسبة المعلمين الذين اقتربوا من سن المعاش تكاد تصل إلى 50% من إجمالي المعلمين، إذ أن المعلم يصل إلى الدرجة الوظيفية معلم أول (أ) ومعلم خبير، عندما يتجاوز سن الخمسين.
لا تُعول يسرية ووردة وسمية، اللاتي يجمعهن اقترابهن من نهاية الخدمة، كثيرًا على مساعي النقابة أو قرارات الوزير، ما دمن مضطرات إلى العمل يومًا دراسيًا كاملًا مع عدد كبير من الطلاب، دون مراعاة لفئتهن الوظيفية والعمرية.