وزارة التربية والتعليم، فيسبوك
محمد عبد اللطيف وزير التعليم في زيارة لإحدى مدارس عين شمس الإبتدائية، 7 أكتوبر 2024

التقييمات الأسبوعية.. أولياء الأمور يعودون لصفوف الدراسة والتلاميذ تحت رحمة "الدروس"

منشور الاثنين 28 أكتوبر 2024

تقضي سارة محمد يومها في متابعة محاولات ابنها الذي يبلغ السابعة من عمره لحل الواجبات الدراسية المطلوبة منه، التي أصبحت إلزامية في إطار خطة تطوير التعليم، وربط الطالب بالمدرسة. 

الأم التي تعيش مع طفلين في محافظة دمياط تضطر يوميًا لتصوير أوراق للمواد الأربع التي يدرسها ابنها حمزة في صفه الأول الابتدائي، تقول لـ المنصة "ضغط كبير مادي ونفسي عايشة فيه أنا وابني، اللي بيعيط ومش عايز يروح المدرسة بسبب التقييمات".

بدأ العام الدراسي الحالي بقرارات جديدة اتخذها محمد عبد اللطيف وزير التربية والتعليم جعلت نسبة احتساب أعمال السنة في المجموع النهائي تصل إلى 40% بداية من المرحلة الابتدائية حتى الثانوية، بما يتضمنه ذلك من تقييمات أسبوعية وأداء صفي ومنزلي، إضافة إلى الامتحانات الشهرية. 

استنزاف مادي ومعنوي

تلاميذ بمدرسة مصر للغات في محافظة الجيزة

"عندي طفل تاني عنده سنة. كأني رجعت تاني المدرسة مطلوب مني تصوير ورق ومذاكرة ومتابعة بين كراسة الواجب والحصة بشكل يومي"، تشتكي سارة. 

لا يتوقف الأمر عند حد استهلاك الوقت والمجهود في المنزل لكنه يطلق يد المعلم في العملية التعليمية، لتتحول التقييمات الأسبوعية لورقة ضغط في يد المعلم على الطالب وولي الأمر يستخدمها لإجبار الطالب على الدروس الخصوصية. 

المعاناة نفسها تروي وقائعها يارا إبراهيم، الأم لطفلين أكبرهما في الصف السادس الابتدائي، والأصغر في الصف الأول الابتدائي، "سلوك المدرسين اتغير من بداية العام الدراسي عشان مش بياخدوا دروس معاهم".

تعتبر يارا البالغة من العمر 36 سنة أن النظام الجديد جعل طفليها "تحت رحمة المدرس"، بسبب درجات السلوك والنشاط والحضور والتقييم الأسبوعي والشهري.

التقييمات أصبحت مثل حصالة الدرجات

وجهة النظر هذه تؤكدها نور أحمد، الأم لطفلة، إذ تقول لـ المنصة "المدرس قال لبنتي بالحرف مبتجيش الدرس معايا ليه؟ اللي مش بياخد معاه درس بيعامله بأسلوب وحش. وكل كلام المدرِّس مع الطلاب أعمال السنة في إيدي وأنا اللي هنجحك".

ينفي أشرف سلومة وكيل وزارة التربية والتعليم بالجيزة لـ المنصة شكاوى الأمهات "فيه متابعات دورية، بندخل الفصول ونسأل عن الدروس الخصوصية بشكل مستمر. ومجموعات التقوية المدرسية تعمل بصورة مستمرة"، يعيد سلومة الأمر إلى ضمير المعلم "المراقبة مستمرة وبإمكان المتضرر أن يقدم شكوى".

لا تتوقف معاناة يارا التي يدرس طفليها في مدرسة خاصة بمحافظة الجيزة على التهديد بالدروس الخصوصية، تضيف "طلبات المدرسين أصبحت مبالغًا فيها بشكل كبير لوحات وأنشطة وكشاكيل وكراسات وكله بالدرجات".

ورغم أن الوزارة تستهدف بتلك القرارات ربط الطالب بالمدرسة وجعل الدراسة أكثر جدية يأتي ذلك بنتيجة عكسية.

إعادة الانضباط الغائب

لدى سماح قنديل التي تعيش في محافظة كفر الشيخ رأي آخر، يتفق مع ما تروج له الوزارة، تقول لـ المنصة "أعمال السنة رجَّعت للعملية التعليمية جديتها وخلت الطالب أكثر التزامًا"، تستند في رأيها إلى تجربتها مع ابنتها في الصف الخامس الابتدائي.

"بنتي لا كانت عايزة تحضر ولا بتهتم بالحضور، ولا ابني اللي في إعدادي، والمدرسين كانوا بيشجعوهم على الغياب"، اختلف الأمر مؤخرًا مع ربط الحضور بالدرجات. 

تعدد سماح البالغة من العمر 38 سنة مزايا النظام الجديد "التقييمات كتير لكنها بتحدد مستوى الطالب، وبتخلي ولي الأمر عارف المستوى الحقيقي لابنه، والمتابعة أولًا بأول بتخلينا نذاكر ما نستناش للامتحان"، مؤكدة "استهترنا كتير بالمدارس والتعليم.. كفاية".

طلاب في إحدى المدارس المصرية

هذا الرأي يتبناه أيضًا الدكتور حسن شحاتة خبير المناهج التعليمية، ويقول لـ المنصة عن أعمال السنة والإجراءات التي اتخذتها الوزارة "كان لازم الطلاب يرجعوا المدارس بعد الانقطاع عنها لسنوات، وده سبب وضع الوزارة قواعد للانضباط المدرسي في إطار من المتابعة الجادة والمستمرة من القيادات التعليمية التي تدير المدارس بفاعلية وانضباط".

لا ينظر الخبير التربوي إلى الأمر من جانب العبء النفسي والجهد اليومي المبذول، وهو الجانب الذي ترصده نهال زين الطبيبة النفسية تقول لـ المنصة "التعليم المفروض يكون مبنيًا على تقدير الجهود والفروقات الفردية بين الطلاب، ويكون عملًا إبداعيًا أكثر مما يعتمد على الحفظ فذلك يقتل الإبداع عند الأطفال".

وتشير الطبيبة إلى تأثير التقييم على نفسية الطلاب "يسبب التوتر والقلق"، مقترحة أن تكون التقييمات متنوعة ولا تعتمد على الدرجات ولكن على المشاركة والإبداع في مجالات مختلفة لتحقق إنجازًا أكبر.

تربط نهال ما بين التعلم وإحساس الطفل بالأمان "الشدة والقسوة والنقد واللوم والوصم والسعي للكمال يفقده إحساس الأمان وبالتالي لن يُنتج، ومع الوقت قد يصاب باضطرابات نفسية، فأيًا كانت المرحلة العمرية للطالب نظرة المدرس للتقييم وولي الأمر تؤثر بشكل قوي"، معتبرة أن التقييمات أصبحت مثل حصالة الدرجات. 

أعباء إضافية على المعلِّم

يصطف هاني الشرقاوي أستاذ لغة عربية بالمرحلة الإعدادية إلى جانب المعترضين على التطوير بما يتضمنه من تكليفات إضافية يقول لـ المنصة "أرادت الوزارة أن تمسك بالطالب ولكنها أثقلت الطالب والمدرس، كل أسبوع امتحان في كل المواد، وكل يوم واجب في كل المواد أيضًا وامتحانات شهرية، تحول المعلم إلى مجرد مصحح. أنا في الحصة أعطي للطالب سؤالًا كل يوم وأنشغل به عن الشرح. إلى جانب تصحيح الواجب ورصد الدرجات. كان من الأولى الاكتفاء بالتقييمات الشهرية".

ينفي هاني الذي يعمل بإحدى مدارس محافظة سوهاج تهم استغلال الطلاب، يقول "كل التقييمات موجودة على موقع الوزارة، لا يقوم المعلم بتبديلها".

ترى الوزارة سبب الاعتراض أن المصريين شعب مقاوم للتغيير ومتعودين على الرفض

بينما يؤكد التهمة محمد علي حماد مدرس لغة إنجليزية بمحافظة المنيا، يقول لـ المنصة "أعمال السنة طبعًا تفتح الباب لاستغلال الطلاب، ما حدش يقدر ينكر ده، ومش كل المدرسين عندها ضمير"، مشيرًا إلى أن الاهتمام بالتقييمات سيقل مع الوقت، "المشكلة الحقيقية إن المدرس ما عندوش وقت لمتابعة كل طالب كويس في الحصة بسبب انشغاله".

زيادة الأعباء هو الأثر السلبي نفسه الذي ترصده رضا إبراهيم مدرسة لغة عربية من محافظة كفر الشيخ، تقول لـ المنصة "المدرس بقى مضغوط مع النظام الجديد بصورة كبيرة جدًا، وقت الحصة مش مكفي عشان عنده حاجات كتير يخلصها". لا تعترض رضا على التقييمات في حد ذاتها إذ تراها فرصة لعودة الطلاب للمدارس مرة أخرى بعدما كان الغياب هو السمة الأساسية للتعليم في السنوات الماضية.

من جهته يعتبر أشرف سلومة وكيل وزارة التربية والتعليم أن الشكاوى المختلفة من نظام التقييمات ترجع إلى طبيعة المصريين "إحنا شعب مقاوم للتغيير، من الممكن أن يكون التغيير أفضل ولكن إحنا متعودين على الرفض".

تعاملت الوزارة حسب سلومة مع الشكاوى المقدمة من الأهالي بشأن تصوير الأوراق التي تخص الأنشطة والمراجعات "منعنا تصوير الأوراق. المدرس يكتب على السبورة والعيال تنقل في الكراسة"، مؤكدًا على أن الوزارة تبحث كل السبل لراحة ولي الأمر.

"أعمال السنة كانت موجودة من قديم الأزل وكانت على المواظبة والسلوك، ولكن تغيير النسبة والتقييمات الأسبوعية هو الجديد، إحنا عايزين يبقى فيه تعليم داخل المدارس فوفرنا مدرسين ومنعنا الكثافة لمصلحة الطالب ولا يصح أن يعترض ولي الأمر".

لكن يارا اعترضت وتقدمت بشكوى إلى إدارة المدرسة هي وبعض أولياء الأمور بسبب المغالاة في الأنشطة والطلبات، وأكدت أنها ستتوجه إلى الإدارة إن استمرت المعاملة بهذا الشكل. فيما تحاول سارة أن تعيد لابنها حمزة علاقته الجيدة بالمدرسة من خلال مساعدته في إنجاز واجباته اليومية.