المنصة
تصميم: يوسف أيمن

"قوائم الإرهاب" وعلاقة السلطة بالإخوان اليوم وغدًا

منشور السبت 4 يناير 2025

بمرور أربعين يومًا على قرار محكمة الجنايات رفع 716 شخصًا من قوائم الإرهاب، أصبحت لدينا وحدة زمنية تكفي إلى حد ما لتقييم ما جرى، وفهم ما إذا كان تحايلًا وخداعًا وكسبًا للوقت، أم أنه واحدة من المفاجآت التي اعتدنا عليها في الحياة السياسية المصرية وفق تقدير من بيدهم مقاليد الأمور.

ابتداءً، لم يكن مستبعدًا فتح هذه النافذة الضيقة، لأسباب لا تخفى على متابعي أداء السلطة السياسية الحالية في مصر، من بينها قرب مراجعة ملف مصر في حقوق الإنسان دوليًا، بالإضافة إلى مطالب صندوق النقد الدولي بتلطيف الأجواء السياسية لينعكس هذا إيجابيًا على الاقتصاد، ناهيك عن الاستجابة ولو جزئيًا لجانب من مخرجات الحوار الوطني، فضلًا عن تقدير السلطة السياسية لتداعي قدرة جماعة الإخوان وغيرها على تهديد حقيقي للأمن، بعد الضربات القوية التي تلقتها الجماعة طوال عقد كامل.

وربما تلعب الظروف الإقليمية الراهنة دورًا في هذا، ولا أستبعد مناقشة فرص الاستجابة للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، الذي سانده الإخوان في الولايات المتحدة في الانتخابات الأخيرة، وطلبوا منه التدخل لدى الرئيس عبد الفتاح السيسي لتخفيف الضغط عليهم.

لكن هذا القرار، وأيًا كانت أسبابه ودوافعه، يعكس عدة حقائق يجب التفكير فيها مليًّا.

سبع ملحوظات

1- توجيه اتهام الإرهاب، أو الانضمام لجماعة إرهابية أو حتى مساعدتها على تحقيق أهدافها، أو المشاركة في تمويلها، لم يقتصر على الإخوان، فالتعديلات التي دخلت على قانون العقوبات جعلت التهمة تطول عددًا من المدنيين؛ يساريين وليبراليين. وكثير ممن حبسوا احتياطيًا أو صدرت بحقهم أحكام نهائية عوقبوا على هذا الأساس.

بالتالي، هؤلاء ومعهم الجزء الأكبر من سجناء الإخوان، لا يزالون مستبعدين من القرار، وقد أُعلن عن قائمة أخرى في الطريق، وربما تكون هناك قوائم أخرى. الأمر في رأيي مرتبط بإدارة السياسة في الوقت الراهن.

في ظني أن الجميع يريد للجمود أن ينتهي وللانغلاق أن تُفتح فيه ولو نافذة صغيرة

2- نتائج هذا القرار لا تزال محدودة، وأجهزة الأمن تُراجع قوائم الأسماء جيدًا، ويبدو أن توصياتها صبت في اتجاه تحقيق القرار للمصلحة الوطنية الآن، ولم ترَ فيه ما يضر بالسلم الاجتماعي. في الوقت نفسه، يميل القرار إلى وجهة نظر سائدة منذ سنوات تتحدث عن الحوار والاستيعاب، وتحذر من خطورة استمرار الاستبعاد على أساس سياسي أو فكري أو أمني، وتطالب بتحقيق العدالة القانونية، لتصحيح بعض الأخطاء التي ترتبت على التوسع في الاشتباه خلال سنوات الاضطراب الاجتماعي المفرط.

3- يبدو أن السلطة كانت معنية بإدراج أسماء شخصيات بارزة مثل وجدي غنيم ويوسف القرضاوي ضمن القرار ورفعها من قوائم الإرهاب، لتعطي إشارة قوية للجماعة تدرك معها أن عليها فتح صفحة جديدة مع السلطة إذا أرادت أن تنال ما هو أكثر. وربما هي رسالة تخويف لطرف خارجي أو داخلي. لكن لا يمكن هنا أن نتجاهل ما تقوله الجهات القضائية نفسها، من أن الرفع تم بناء على دراسة الوضع القانوني.

4- تختلف القوى السياسية والاجتماعية المصرية في تقديرها لأثر القرار، بين أولئك الذين يرون فيه مجرد خطوة محدودة تؤشر إلى إمكانية فتح صفحة جديدة مستقبلًا بين الإخوان والسلطة، ومن يرونه بداية مصالحة محتملة. وإلى جانب هؤلاء وأولئك، هناك من يحذرون من تأثيره السلبي على علاقة السلطة بالقوى المدنية أو المسيحيين.

لكن في ظني أن الجميع يريد للجمود أن ينتهي، وللانغلاق أن تُفتح فيه ولو نافذة صغيرة، تتراخى لها بمرور الوقت حالة الاستقطاب الحاد التي أعقبت إسقاط جماعة الإخوان عن الحكم، ولا تزال تؤثر سلبًا على السلم الاجتماعي، لا سيما في ظل التحديات التي تواجه الدولة المصرية حاليًا.

5- هناك من رحب بالقرار ورأى فيه صفحة جديدة ضمن استراتيجية حقوق الإنسان وترسيخًا للعدالة الاجتماعية بما يعكس حرص الدولة على طي صفحة الماضي. وأصحاب هذا الاتجاه لهم صوتهم الذي لم يكف عن المطالبة بطي هذه الصفحة. منهم من تحدثوا عن "عدالة انتقالية" ومنهم من أكدوا ضرورة الحوار والاستيعاب، لأن استمرار الأوضاع على حالها التي كانت عليها وقت إسقاط الإخوان عن الحكم ليس حلًا مستدامًا. وهناك من يقارب الأمر من زاوية المواطنة أو حقوق الإنسان، لا سيما بعد أن طالت اتهامات الإرهاب شخصيات مدنية، ووقعت أخطاء جسيمة جراء التوسع في الاشتباه.

إلى متى يتم التوسع في تقدير الأمن القومي ليشمل كل شيء؟

انقسمت النخبة بين مؤيد ومعارض لهذا القرار، وكلا الفريقين يرى الأمور من زاوية المصلحة الوطنية، وبمرور الوقت قد تتقارب وجهات النظر، خصوصًا لو اتخذ الإخوان خطوات إيجابية تطمئن الجميع إلى أن القرار لن يعيد الصراع الحاد إلى الساحة الاجتماعية المصرية.

أما ردود الفعل الغاضبة جراء ذلك القرار، ففيها ما يفيد، ألا وهو ترشيد أي خطوة مستقبلية أو قرار قادم تتخذه السلطة السياسية حيال الإخوان وغيرهم من الجماعات السياسية الإسلامية. 

6- هذا القرار يطرح سؤالًا صعبًا على الدولة حين تقول إنها معنية بتحقيق التوازن بين متطلبات الأمن القومي بمكافحتها للإرهاب واحترام حقوق الأفراد، ألا وهو إلى متى يتم التوسع في تقدير الأمن القومي ليشمل كل شيء؟ وفي المقابل ما هو تعريف الإرهاب؟

7- طي صفحة الماضي بين السلطة والإخوان ومن يتبع خطاهم ليس سهلًا، لكنه ليس مستحيلًا، الأمر يتوقف على وجود رغبة حقيقية في فعل ذلك، تتبعها قدرة على التنفيذ، وأعتقد أن الكرة الآن في ملعب الإخوان، وعليهم أن يتصرفوا بما يطمئن المصريين إلى أن النافذة التي فتحت لهم لن تجلب ضررًا لأحد.

وماذا عن الملطخة أيديهم؟

وهنا يُثير البعض سؤالًا مهمًا، كيف يمكن فتح صفحة جديدة مع الذين انضموا للكيانات الإرهابية ولُطخت أيديهم بالدماء؟ والإجابة التي تأتي للوهلة الأولى أنه يجب هنا التوقف عند كل حالة على حدة، فالمجتمع المصري والقوى السياسية لا يروق لها إفلات قاتل أو محرض على قتل وتدمير من يد العدالة، لكن هذه العدالة يجب أن تتوفر لها شروط وجودها على نحو مستقيم وسليم. قد يكون هذا بإعادة محاكمات، أو تعديل قوانين، لكن لا يجب أن يتم في شكل صفقة سياسية، تتغافل عن جرائم، أو لا تفرق بين التسامح والتساهل.  

والأفضل بالطبع هو أن تحل معضلة الإخوان وغيرهم في ظل إصلاح سياسي حقيقي، تحتاجه مصر في الوقت الراهن، وهذا لن يتم إلا باحترام الدستور والقانون، ووجود تعددية سياسية ظاهرة وقوية، وفصل بين السلطات، وإطلاق حرية التعبير والتدبير، والأهم وجود مشروع مدني وطني جامع لكل المصريين.

رغم كل شيء، لا يمكن تقييم ما جرى إلى الآن باعتباره مصالحة بين السلطة والإخوان، لكن التصالح وارد، إن لم يكن الآن ففي المستقبل، وإن لم يكن في ظل حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي فربما بعده، ولا ننسى ما فعله الرئيس السادات مع الإخوان على خلاف الرئيس جمال عبد الناصر.

لكن أيًا كان الاتجاه، لا يجب أن يكون التصالح مجرد صفقة سياسية عابرة، مثل التي أقدم عليها السادات لتوظيف التيار السياسي الإسلامي في مواجهة اليسار، إنما ضمن مشروع يتم التحاور حوله بإمعان وعلى مهل بما لا يضر بممارسة السياسة على أساس مدني في المستقبل.

في خاتمة المطاف، فهذا القرار ومن قبله الإفراج عن بعض المحبوسين احتياطيًا، قد يؤشر إلى أننا أمام انفراجة بسيطة ومحدودة، لكنها ليست صفحة جديدة بالكامل، ولا استراتيجية حقيقية، فعقب هذا القرار بأسبوعين تقريبًا قضت إحدى محاكم الجنايات بالقاهرة بإدراج 76 متهمًا على قوائم الإرهابيين لمدة خمس سنوات، فيما استمر الإعلام المصري الموجه في الهجوم على جماعة الإخوان، لا سيما في ظل التطورات السياسية والعسكرية التي جرت في سوريا.

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.