حساب رجل الأعمال السوري محمد داوود على فيسبوك، 15 أكتوبر 2019
مجموعة من العاملين في أحد محال الحلويات السورية المملوكة لرجل الأعمال السوري محمد داوود

البيزنس السوري في مصر.. الرؤوس الكبيرة ستبقى والمصريون البديل الأقرب للعمالة الماهرة

منشور الاثنين 16 ديسمبر 2024

بعد أيام قليلة من سقوط نظام الأسد في سوريا، التقى وفد من رجال الأعمال السوريين وزير الاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة باسل عبد العزيز، لاستطلاع الرؤية الاقتصادية للفصائل المسلحة التي باتت تمثل نظام الحكم الجديد في البلاد. 

وبينما لا تزال الخريطة السياسية لسوريا الجديدة يلفها الغموض، خاصة وأن أقوى فصيل صعد إلى رأس السلطة بعد الأسد ينحدر من تنظيم القاعدة ومصنف دوليًا تنظيمًا إرهابيًا، إلا أن المؤشرات جاءت مطمئنة لرجال الأعمال، إذ تقول رويترز إن النظام الجديد يسعى لتبني اقتصاد السوق الحر.

لكن يبدو أن هذه التطمينات لا تزال غير كافية، فبعض من رجال الأعمال السوريين المقيمين في مصر قالوا لـ المنصة إن قرار العودة لا يزال مؤجلًا ليس فقط بسبب عدم وضوح الرؤية ولكن لأنهم صنعوا لأنفسم مكانة في السوق المصرية يخشون فقدها بعد تصفية أعمالهم.

الخوف من خسارة البراند

يمتلك رجل الأعمال السوري محمد صابر داود مصنعًا لصناعة الحلوى بمنطقة السادس من أكتوبر بمحافظة الجيزة، حيث استقرت أعماله التجارية في مصر منذ مغادرته دمشق مع اندلاع الحرب الأهلية بعد أن اتخذ قرارًا منفردًا بنقل أعماله إلى مصر على عكس عائلته التي ما تزال مستقرة في دمشق. يقول لـ المنصة "لن أغادر مصر وأترك ما حققته خلف ظهري".

لا يوجد تاجر وجد مكانًا لتنمية رأس ماله وصنع البراند الخاص به سيصفي نشاطه فجأة ويعود إلى بلاده

لاتزال أجواء الاحتفال في الشوارع السورية سببًا  غير كاف في نظر داود لتصفية أعماله في مصر والعودة لبلاده من جديد، بعدما أصبح له مكانة في سوق الحلوى بمصر "حتى إن عدت لدمشق لن أصفي أعمالي في مصر، سأواصل نشاطي بين البلدين".

لم ينل داود مكانته في السوق المصرية بسهولة، لذلك يصعب التخلي عنها، فقد قَدِم إليها في 2012، وبعد أن استأجر عددًا من المحال لبيع منتجاته في مناطق حيوية في الجيزة مثل المهندسين وفيصل والهرم وشارع السودان، تعرض لخسائر كبيرة في 2020 بسبب الركود الذي أنتجه وباء كورونا، ومع ضغوط تكاليف التشغيل اضطر لإغلاق هذه المحال.

لكنه فكر لاحقًا في الإنتاج لأسواق خارج مصر، وهو النشاط الذي حقق من خلاله نجاحًا كبيرًا، وهو حاليًا يستعد للعودة للمستهلك المصري عبر تأسيس مطعم وكافيه في منطقة السادس من أكتوبر، ما يعكس خططه طويلة المدى للعمل في مصر "لا يوجد تاجر وجد مكانًا لتنمية رأس ماله وصنع البراند الخاص به سيصفي نشاطه فجأة ويعود إلى بلاده".

بيئة الأعمال المصرية أكثر ترحيبًا 

تتفاوت البيانات بشدة بشأن حجم الأعمال السورية في مصر، إذ تشير تقديرات سابقة إلى أن السوريين ضخوا في مصر خلال الفترة من 2011-2018 نحو 800 مليون دولار، لكن رئيس تجمع رجال الأعمال السوري في مصر ،خلدون المُوقع، قال في حوار تلفزيوني في مطلع هذا العام إن إجمالي استثمارات أبناء بلده يصل إلى 73 مليار دولار.

وأيًا كانت حقيقة حجم هذه الاستثمارات، فإن رجال الأعمال السوريين يمثلون شريحة ضئيلة من إجمالي المهاجرين السوريين لمصر، نحو 30 ألفًا من مليون ونصف مهاجر، لكنهم استطاعوا إثبات وجودهم في عدد من الصناعات مثل الحلوى والأطعمة السريعة وصناعة الملابس والمنسوجات.

وتبدو بيئة العمل في مصر أكثر أمانًا في أنظار رجال الأعمال السوريين بالمقارنة بسوريا الجديدة، خاصة وأن الحكومة المصرية عبَّرت عن ودها تجاههم خلال العام الماضي مع صدور قرار رئيس الوزراء بمنح عشرة من كبار رجال الأعمال السوريين الجنسية المصرية.

ويقول أبو حمزة السوري، الذي هاجر لمصر في 2012 وأسس محلًا للعطور ومستحضرات التحميل في مدينة السادس من أكتوبر "أريد العودة إلى موطني وهذا هو المنطقي والطبيعي، لكنني لست على عجلة من أمري، سوريا تخطو خطواتها الأولى في حكم جديد بعد الأسد ومن المبكر  الحديث عن عودة عجلة الاقتصاد، وقد يستغرق ضبط الأمور سنوات".

لا تقتصر مشكلات بيئة الأعمال السورية على عدم الاستقرار السياسي، لكن النظام السوري خلف وراءه سياسة اقتصادية منعزلة عن الاقتصاد العالمي وعوائق لتأسيس وممارسة الاستثمار جعلت البلاد في ذيل قائمة البنك الدولي لتيسير الأعمال.

التجار والمصنعون عانوا من تضييقات عدة من نظام الرئيس السابق بشار الأسد بتحصيل رسوم إدارية مبالغ فيها

هذا بجانب تدهور سعر صرف العملة السورية خلال سنوات الحرب الأهلية، حيث ارتفع الدولار من 50 ليرة سورية في 2011 إلى نحو 15 ألف ليرة، وإن كان سقوط الأسد قد حَسَّنَ من قيمة العملة قليلًا لكن الدولار لا يزال يحلق عند قمة بالغة الارتفاع بين 10-12 ألف ليرة.

في المقابل تحتضن مصر قصص نجاح ملهمة للسوريين من أبرزها تجربة باسل سماقية، صاحب سلسلة محال قطونيل الشهيرة، الذي هاجر لمصر في الثمانينيات ويصنَّف ضمن أكثر رجال الأعمال في مصر ثراءً في الوقت الراهن.

ويقول بلال العارف، وهو مدير لمصنع ملابس جاهزة "من أسس مصنعًا للملابس وافتتح سلسلة محلات لن يقامر برأس ماله"، مؤكدًا أنه لا يخطط للعودة إلى دمشق على المدى القصير.

نقل العارف استثماراته إلى مصر في العام منذ 2012 بعد أن تعطلت خطوط إنتاجه في دمشق وخسر عملاءه في الخارج جراء توقف حركة التصدير، ليفتتح مصنع للملابس الجاهزة بمنطقة جسر السويس، ثم سلسلة محال في مدينة نصر والعتبة وكذلك محافظة الإسكندرية.

بالنسبة للعارف كانت مصر من أفضل الوجهات للمستثمرين السوريين حيث لاقت منتجاته رواجًا كبيرًا بفضل القوة الشرائية للمصريين والتسهيلات الاستثمارية التي حصل عليها رجال الأعمال السوريون من الدولة، ما ساهم في تعزيز انتشارهم في البلاد.

ويشرح أن التجار والمصنعين عانوا من تضييقات عدة من نظام الرئيس السابق بشار الأسد بتحصيل رسوم إدارية مبالغ فيها، وواجهوا أزمات متعلقة بتوفير المواد الخام وتسهيل إجراءات الاستيراد والتصدير وهو ما دفع عددًا كبيرًا منهم لمغادرة البلاد.

ويقول العارف إن محافظة حلب كانت الأكثر تضررًا كونها عاصمة سوريا الاقتصادية وتضم غالبية رجال الصناعة، وعانت طويلًا جراء الاشتباكات المسلحة التي شهدتها خلال السنوات الماضية بين النظام السابق والفصائل المسلحة.

العودة للعمال وليس رجال الأعمال 

ويلفت رجل الأعمال السوري محمد صابر داود إلى أن العديد من "الصنايعية" الخبراء في صناعة الحلوى السورية التقليدية التي لاقت رواجًا كبيرًا في مصر خلال السنوات الأخيرة باتوا أقرب للعودة لبلادهم بعد انتصار الثورة السورية، ما يمثل تحديًا لأعماله في البلاد خلال الفترة المقبلة.

تبدو شرائح من الطبقات العاملة أقل تمسكًا بالبقاء في مصر، والذين يمثلون الشريحة الأكبر من السوريين في مصر وإن كانوا الأقل ثراءً بطبيعة الحال "غالبية من يفكرون في العودة ليسوا من رجال الأعمال وأصحاب المصانع أو من يحصلون على رواتب جيدة بل من الطبقة الكادحة التي أجبرتها الحرب على النزوح خارج وطنها" كما يقول رئيس الهيئة العامة لشؤون اللاجئين السوريين في مصر، تيسير النجار، لـ المنصة.

ويضيف "هناك من اتخذ قرارًا بالعودة إلى سوريا لأنه يعيش وضعًا صعبًا في مصر بسبب ارتفاع إيجارات الشقق السكنية التي زادت بنسبة كبيرة وتلتهم أكثر من نصف الدخل".

ورغم جاذبية مصر لرجال الأعمال السوريين لكنها تبدو أقل جاذبية للعمال من أصحاب الدخول المحدودة إذ لا تزال البلاد تحت ضغوط اقتصادية بالغة، حيث التضخم في حدود 25% مع ضَعف الجنيه أمام الدولار وتحرير أسعار الوقود والطاقة.

ويستطرد النجار "في حالة استقرار الوضع الاقتصادي بشكل سريع سيتشجع اللاجئون أكثر على العودة حتى يضمن كل واحد منهم مصدر دخل لأسرته".

في مواجهة خطر انسحاب العمالة السورية، يفكر داود في الاعتماد على عمالة مصرية لسد الفراغ، وربما نقل سر صنعة الحلوى السورية إليهم.