كثير من الأراضي وقليل من التيسيرات.. كيف تحارب الحكومة السمسرة في المناطق الصناعية؟
طرحت وزارة الصناعة نحو 25 مليون متر مربع للاستثمار الصناعي، خلال العام الحالي، ما يمثل نحو 15 ضعفًا مقارنة بطروحات العام السابق التي اقتصرت على 1.7 مليون متر مربع. يعكس الارتفاع الهائل في المساحات المطروحة هذا العام الطلب المرتفع على الأراضي ويأتي بعد انتقادات مستمرة لندرة الطروحات، لكن مستثمرين صناعيين قالوا لـ المنصة إن شروط طرح الأراضي وأسعارها تجعل من الصعب الحصول عليها، لتبقى الأزمة قائمة وإن بدت الوزارة مُبَادِرَةً لإيجاد حل.
الحد من ممارسات الأوفر برايس
يعزى الارتفاع الكبير في حجم المساحات المطروحة إلى توجه كامل الوزير، وزير الصناعة والنقل، لتنظيم طرح للأراضي الصناعية كل 3 أشهر، وهو ما بدأ تطبيقه بالفعل منذ سبتمبر/أيلول الماضي. وكانت آخر طروحات العام في ديسمبر/كانون الأول وشملت طرح مساحات بأكثر من 15 مليون متر مربع.
ويقول طه رمضان، خبير دراسات الجدوي في المشروعات الصناعية لـ المنصة إن "ندرة الطروحات في الماضي تسببت في تعطيش السوق وفتحت الباب للشراء من السماسرة واستغلالهم للمصنعين بطلب أوفر برايس على سعر الأرض الأصلي"، مضيفًا "الأوفر برايس" هو مبلغ يضيفه السماسرة والمُلّاك لأسعار الأراضي المباعة مقابل التسليم الفوري لقطعة الأرض.
وسجل الأوفر برايس في بعض قطع الأراضي الصناعية 7 ملايين جنيه في مدينة العاشر من رمضان لقطعة أرض بمساحة 2000 متر مربع، وفق مصدر بهيئة التنمية الصناعية في تصريحات سابقة لـ المنصة.
كما عملت وزارة الصناعة على كبح ممارسات السمسرة في الأراضي الصناعية من خلال الاتفاق مع وزارة العدل هذا العام على حظر بيع الأراضي الصناعية بمصلحة الشهر العقاري والتوثيق إلا بعد الحصول على موافقة كتابية من هيئة التنمية الصناعية.
ويرى رمضان أن المنظومة الجديدة لطرح الأراضي تساهم في إزالة عقبة الحصول على الأرض وإتاحتها للمستثمرين "الكرة الآن في ملعب المستثمر. ليس مطلوبًا منه سوى البحث عن فكرة المشروع القابلة للنجاح".
أسعار أعلى للأراضي
في مقابل هذه التيسيرات فإن الحصول على الأرض أصبح يتطلب "الكثير من الإجراءات والمال" كما يعلِّق مصدر في اتحاد الصناعات لـ المنصة طلب عدم نشر اسمه.
ويضيف أن نظام الطرح الحالي يعطي حافزًا لمن يقدر على سداد مبالغ أكبر، حيث يُمنح المستثمر الذي يسدد 25% من قيمة الأرض مقدمًا، تسهيلات زمنية، تصل إلى ثلاثة أعوام لإتمام المشروع، بينما يحصل من يدفع 10% على مهلة عامين فقط لتنفيذ مشروعه.
ويتفق معه محمود الشندويلي، رئيس جمعية مستثمري سوهاج وعضو مجلس إدارة اتحاد المستثمرين، مضيفًا "اعتدنا من قبل أن أسعار الأراضي الصناعية رخيصة لدرجة أنها كانت شبه مجانية". وهو ما يؤكده أيضًا علاء السقطي، رئيس اتحاد مستثمري المشروعات المتوسطة والصغيرة، قائلًا إن الأراضي كانت رخيصة حتى حوالي خمس سنوات مضت "وفي صعيد مصر كانت ببلاش، لكن لم يكن هناك إقبال عليها بسبب نقص المرافق".
وبمقارنة أسعار الأراضي بين طروحات العام الماضي والطرح الأخير، وفقًا لبيانات لوزارة الصناعة اطلعت عليها المنصة، رفعت الوزارة سعر المتر في الأراضي الصناعية بما يتراوح بين 11% إلى نحو 60% خلال الفترة من أغسطس/آب 2023 إلى ديسمبر 2024.
اسم المنطقة الصناعية | سعر المتر في طرح أغسطس 2023 | سعر المتر في طرح سبتمبر 2024 | سعر المتر في طرح ديسمبر 2024 |
---|---|---|---|
أكتوبر الجديدة | 1000 | 1120 | 1400 |
العاشر من رمضان | 1200 | 1340 | 1675 |
السادات | 1100 | 1230 | 1540 |
شرق المطاهرة المنيا | 415 | 460 | |
جنوب الرسوة بورسعيد | 1190 | 1190 | 1190 |
الأحايوة سوهاج | 150 | 150 | 150 |
جنوب غرب جمصة | 1700 | 2700 | |
كوم أوشيم الفيوم | 1340 | 1625 | 1720 |
وادي النطرون | يتراوح من 1480 إلي 1530 جنيها بحسب النشاط | تراوح من 1776 إلي 1836 جنيها بحسب النشاط | |
برج العرب | 1220 | 1220 | |
العلمين الجديدة | 1540 | 1540 | |
حوش عيسى البحيرة | 1500 | 1725 | |
المحلة الكبرى وبئر العبد | حق انتفاع | حق انتفاع | حق انتفاع |
وبرَّر مصدر بوزارة الصناعة مطلع على ملف الأراضي الصناعية، طلب عدم نشر اسمه، ارتفاع أسعار بعض قطع الأراضي بندرتها في تلك المناطق الصناعية ورغبة الوزارة في توجيه أنظار المستثمرين إلى مناطق صناعية جديدة، ضاربًا المثل بأراضٍ في سوهاج بأسعار منخفضة جدًا مثل الأحايوة شرق التي يبدأ فيها سعر المتر من 150 جنيهًا.
وتتطلع وزارة الصناعة لاستعادة نشاط القطاع الصناعي الذي سجل انكماشًا أكثر من مرة خلال السنوات الخمس الماضية، بلغ ذروته خلال أزمتي جائحة كورونا وشح الدولار.
تحديات نجاح جمعيات المستثمرين
من بين المبادرات الجديدة لوزارة الصناعة بهدف حل المشكلة قرار تشكيل جمعية للمستثمرين في سبتمبر الماضي، بكل منطقة صناعية لتتولى إدارة المنطقة وأعمال الصيانة وتيسير العديد من الخدمات للمصانع القائمة بالفعل.
ويخشى الشندويلي ألّا يُكتب النجاح لهذه التجربة في المناطق الصناعية، التي تنتشر فيها المشروعات الصغيرة بكثافة، إذ ستكون المشروعات الصغيرة التي تعاني من محدودية الإمكانيات هي نفسها الممول الرئيسي لجمعيات المستثمرين.
ويشير إلى أن أمام هذه الجمعيات تحديات كبيرة خاصة في ظل فقر الخدمات في بعض المناطق الصناعية النائية "يوجد حوالي 35 منطقة صناعية في الصعيد، لكن لا يعمل منها سوى سبع فقط، ولا تعمل بكامل طاقتها الإنتاجية. معظم المصانع متعثرة وتوقفت عن العمل، والبعض الآخر يعتمد على المولدات الكهربائية بسبب عدم توفر مصادر أخرى للطاقة".
ويطالب الشندويلي وزارة الصناعة بتقديم حوافز إضافية للمستثمرين في المناطق الصناعية بصعيد مصر، نظرًا للزيادة السكانية الكبيرة بها وانتشار البطالة والهجرة المستمرة منها إلى القاهرة ووجه بحري.
وينتظر القطاع الصناعي فرصًا كبيرة لاستعادة زخم النمو، في ظل اهتمام الحكومة بتعزيز نشاط القطاع، لكن صغار المستثمرين الذين يمثلون فئة كبيرة من هذا القطاع يحتاجون إلى دعم يتجاوز مجرد طرح الأراضي، ويمتد إلى توفير التمويل والخدمات الأساسية.