لا ترى ليلى سويف أي بطولة فيما تفعله مؤخرًا بإضرابها عن الطعام لأكثر من 100 يوم مطالبةً بالإفراج عن نجلها علاء عبد الفتاح. بالنسبة لمسار حياتها الحافل بطرق المقاومة المختلفة، ليس هذا إلا طريقًا أُجبرت على السير فيه؛ هي تقوم فقط بما تصدق أنه دورها كأم، بعد نفاد الخيارات المتاحة.
تُعرّف ليلى نفسها بأنها أستاذة الرياضيات بكلية العلوم جامعة القاهرة، وأم علاء ومنى وسناء، وأرملة أحمد سيف الإسلام المحامي الحقوقي. وفي هذا التعريف اختزال لتاريخ طويل من النضال السياسي والاجتماعي، والنشاط الأكاديمي والحقوقي، فليلى التي بدأت حياتها السياسية ضمن الحركة الطلابية في السبعينيات، لم تتخل يومًا عن أفكارها أو تُقايض عليها.
أولوية حضور المحاضرات أنقذت ليلى من الحبس عام 1977
تصف أستاذة الرياضيات البحتة، البالغة من العمر 68 عامًا، نفسها، بـ"الطالبة الشاطرة" التي كانت تحرص على حضور المحاضرات والمذاكرة، تقول لـ المنصة "دخلت الجامعة عام 1973 وكنت أميل إلى الفكر الاشتراكي، لكن أولوياتي كانت المحاضرات".
ليلى وسيف.. حب في الجامعة
تعرّفت ليلى في الجامعة على مجموعة الطلاب اليساريين، وأسست معهم نادي الفكر الاشتراكي لكن هذا لم يمنعها من التفوق في الجامعة "كنت أعدّي على كافتيريا الجامعة قليل جدًا يمكن عشان كده مخبرين الجامعة ماكانوش عارفينّي"، مفسرة سر إفلاتها من القبض عليها في مظاهرات 1977 التي فرقت رموز الحركة الطلابية، ما بين محبوس وهارب ومطلوب القبض عليه.
في الجامعة التقت بأحمد سيف الإسلام عبد الفتاح حمد الذي أصبح حبيبها "لحد ما اتخرجنا كان أحمد بالنسبة لي واحد من القيادات الطلابية، وعلاقتنا الشخصية اتطورت لحب بعد الجامعة".
"كناس يساريين لا بيدوَّروا على جهاز ولا بتاع قررنا نتجوز وخلاص، أهلنا ساعدونا يبقى عندنا شقة وسابونا نعيش حياتنا" تحكي ليلى عن ظروف زواجها برفيق حياتها.
بدأت علاقة ليلى بالسجون بعد حبس سيف عام 1983
التحقت ابنة أسرة سويف بهيئة التدريس بجامعة القاهرة معيدة في كليتها، العلوم، لتكمل مسيرة عائلتها الأكاديمية العريقة، فهي ابنة مصطفى سويف رائد علم النفس في مصر وصاحب العديد من المؤلفات المعروفة، وابنة الدكتورة فاطمة موسى رائدة وأستاذة الأدب الإنجليزي بكلية الآداب جامعة القاهرة، وشقيقتها أهداف سويف الكاتبة والروائية المعروفة.
علاقة مبكرة بالسجون
تقول ليلى ببساطتها المعهودة أنه بعد التحاقها بعملها بالجامعة "بقى عندنا طرف عنده دخل ثابت والطرف الثاني بيقلّب رزقه"، تتذكر زوجها في تلك الفترة "سيف كان على باب الله، خريج سياسة واقتصاد، وماكنش لسه بقى محامي، وماكنش فيه مراكز بحثية خاصة، وخريجي الكلية ملهمش فرص غير في الجامعة أو الخارجية أو مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، ودي كانت أماكن ممنوعة على سيف كمُعارض معروف".
بدأت علاقة ليلى بالسجون عام 1983، عندما أُلقي القبض على أحمد سيف في القضية المشهورة باسم التنظيم الشيوعي المسلح، "اتعرضوا لتعذيب شديد في سجن القلعة، وانتزعوا منهم اعترافات وأخدوا أحكام بالسجن 5 سنين و3 سنين"، بينما أصبح ضمن مهام ليلى "مهمة تحضير الزيارة ونقل رسائل المساجين لأهلهم إللي مش بيقدروا يزوروهم، والعكس".
ولكن قبل صدور الحكم، كان سيف حصل على إخلاء سبيل على ذمة القضية "توقعنا إن القضية خلصت"، وبالتالي وافقت على منحة للحصول على الدكتوراه من بريطانيا، لكنها فوجئت أن القضية لم تنته كما توقعت، وأُلقي القبض على المتهمين مرة أخرى.
تتحكم ليلى في مشاعرها وتتحول حياتها لمجموعة من المهام بين السجن ورعاية الأطفال والعمل
كان سيف قرر تحت وطأة التعذيب أثناء حبسته الأولى أن يهب حياته للدفاع عن حقوق الإنسان، وبالتالي اتجه بعد الحكم لدراسة الحقوق أثناء سجنه. واتجهت ليلى للدكتوراه "أنا وأحمد كنا متفقين على إن لا شيء يعطل شغلي، وبالتالي سافرت لندن وكان وقتها معايا علاء عمره 4 سنوات ومنى كانت لسة بيبي"، تنقلت ليلى في هذه المرحلة بين لندن والقاهرة لزيارة سيف حتى أنهت الدكتوراه واستقرت في مصر مرة أخرى.
ليلى وعلاء.. اللعب على سلالم النيابات
في مثل هذه المواقف الصعبة لا تحتكم ليلى لمشاعرها "في النوع دا من المواقف مبقعدش أفكر في مشاعري، باحيّدها، بيبقى عندي مهام عملية، بقول لنفسي أنتِ وراكي عيّل لازم تاخدي بالك منه، وراجل في السجن لازم أعملّه زيارة وعندي شغل لازم أخلصه".
فترة اعتقال سيف كانت بداية تكوين علاقة جديدة بين ليلى وعلاء الذي لازمها طول الوقت "كان عندي أزمة هقولّه ليه أبوك في السجن، لكن اتدربت إني أحوّل كل مشوار لفسحة. النهارده رايحين نجيب إذن النيابة من الجبل الأحمر نركب ميكروباص وأوتوبيس ونروح نلعب على سلالم النيابة ويبقى يومه أسود لو عسكري اتكلم (اعترض) عشان علاء بيتنطط".
كانت تصطحب علاء إلى مكتبها في الجامعة "أوقات بيكون فيه طالب ماجستير محتاج يقعد معايا أراجع معاه حاجة مش فاهمها، فكنت آخد علاء معايا يعمل الواجب بتاعه وأكون جايباله لعب يلعب جنبي لحد ما أخلّص، ونروّح سوا".
بعد انقضاء مدة حبسه، خرج سيف من السجن لممارسة المحاماة، وأسس مركز هشام مبارك للقانون عام 1999، حيث درّب أجيالًا من المحامين الحقوقيين، ورزق هو وليلى بابنتهم سناء.
ليلى الأم
وكأن الأيام تدور في دائرة مغلقة؛ كبر الأبناء، ورحل سيف عام 2014 بينما اثنان من أبنائه في السجن، بعدها خرجت سناء وبقي علاء رهين الحبس، ثم خرج، وبعد فترة قصيرة من الحرية النسبية حيث كان تحت المراقبة، عاد علاء مرة أخرى إلى الزنزانة، وعادت ليلى لدورها ولكن هذه المرة كأم.
ولأنها ليلى، بعد انقضاء مدة حبس علاء في 30 سبتمبر/أيلول الماضي، وضعت حياتها كلها في كفة أمام حرية ابنها، فقررت الدخول في إضراب كلي عن الطعام ردًا على استمرار حبسه رغم انتهاء مدة العقوبة.
كان خالد علي محامي علاء قال في تصريح سابق لـ المنصة، إن أزمة علاء تتلخص في احتساب السلطات مدة تنفيذه للعقوبة ابتداءً من تاريخ تصديق الحاكم العسكري على الحكم، دون احتساب مدة الحبس الاحتياطي التي طالت لأكثر من سنتين.
تسير ليلى في حياتها على درب زوجها في سعيها للموازنة بين حفاظها على أسرتها وانشغالها بالعمل العام، تتذكر بكل امتنان "سيف كان زوج رائع وماكنش أبدًا عنده فكرة إنك تسيبي شغل أو الحاجات دي، لأ إحنا كنا متفقين إن كل واحد يعمل اللي يلحق يعمله".
لم يكن سيف بعيدًا عن مهام رعاية أبنائهما "كان بيحب الأطفال، وبيحب رعايتهم، وده كان سند كبير إنه يبقى عندي كارير جامعي" تقول ليلى.
نداهة السياسة
رغم اهتماماتها السياسية إلا أنها قررت التركيز على قضيتين أساسيتين؛ استقلال الجامعات وشكلت مع مجموعة من زملائها في الجامعة مجموعة 9 مارس "كنا واخدين قرار إن الجامعة تكون مستقلة عن الحكومة وكل التيارات الفكرية الأخرى".
القضية الثانية التي اهتمت بها ليلى كانت مناهضة التعذيب في أقسام الشرطة والسجون، وشاركت في تنظيم وقفات احتجاجية لمناهضة التعذيب ومحاكمة المتهمين في تلك الجرائم. لكن هذا لا يعني أنها لم تشارك في الحركات السياسية المعارضة لنظام حسني مبارك، بل شاركت في تأسيس الحملة الشعبية من أجل التغيير، في أواخر 2004 ولكن قبل إعلان تأسيس حركة كفاية الشهيرة، وكان شعار الحملة "الحرية الآن".
"إحنا لاقينا حياتنا كده فعشناها كده" لم تقصد هي وسيف العمل بالسياسة، تضحك وهي تنفي عن نفسها ما يعتبره البعض "ورطة" انشغال أولادها الثلاثة بالسياسة "عيالي كانوا رافضين تمامًا المشاركة السياسية بس في فترة من الفترات النداهة ندهتهم آخرهم سناء إللي جابت رجلها ثورة 2011".
اليوم ورغم إنهاك الإضراب وحكم السن لا تتخلى ليلى عن واجباتها كأم، تحرص على زيارة علاء في سجنه، تُحضِّر الطبلية وتقف بالساعات أمام بوابة السجن ليُسمح لها بلقاء ابنها عبر زجاج تطمئن عليه وتطمئنه عليها. تصمد ليلى في مواجهة الوهن والصعاب، كعادتها في سلك كل سبل المقاومة، آملة أن تنجو وينال علاء حريته بينما هي على قيد الحياة.