تصوير محمد الراعي
ضياء رشوان، المنسق العام للحوار الوطني، في الجلسة الافتتاحية، 3 مايو 2023

ضياء رشوان وإعادة اختراع العجلة

منشور الثلاثاء 7 يناير 2025

عندما بدأت حياتي المهنية قبل 35 عامًا، كانت لمديري المباشر أصول يسارية ينحيها جانبًا حين تضطره إلى ذلك مساعيه في الترقي وتولي منصب مهم في الصحيفة التي كنا نعمل بها. وبينما كان رئيس التحرير رجلًا مهنيًا خلوقًا يسمح لي بتمرير معلومات أو جمل بين السطور تتجاوز السقف المعتاد في تلك الجريدة القومية، كثيرًا ما كان مديري المباشر اليساري، عندما يراجع تقاريري، يهرول مسرعًا إلى رئيس التحرير ليخبره أنه كشف "المؤامرة" التي أحوكها بهذه الجملة التي يراها تسخر من النظام، أو تلك التي يعتقد أنها تعبِّر عن مواقف المعارضة.

تذكرت هذا المدير السابق وأنا أتابع على مدار ساعة وعشرين دقيقة، المقابلة التي أجراها الأستاذ ضياء رشوان، صاحب القبعات المتعددة، مع برنامج عمرو أديب على القناة السعودية الشهيرة، للتعليق على تأسيس حزب الجبهة الوطنية الجديد، الذي أصابني اسمه ابتداءً بالارتباك، لأنه يتشابه مع اسم الحزب الذي أسسه المرشح الرئاسي السابق أحمد شفيق باسم الحركة الوطنية، وكذلك مع اسم الجبهة الديمقراطية، الذي اختاره أستاذي العزيز الدكتور أسامة الغزالي حرب اسمًا للحزب الذي شارك في تأسيسه قبل ثورة 25 يناير، وانتهى الأمر بحله ودمجه في حزب المصريين الأحرار.

أشهد للأستاذ رشوان، نقيب الصحفيين السابق والمدير السابق لمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، والرئيس الحالي للهيئة العامة للاستعلامات، أنه رجل مثقف واسع الاطلاع، وعلى دراية بأدق تفاصيل الحياة السياسية في مصر. لكنه في هذا اللقاء بالذات للأسف بدا مرتبكًا، غير قادر هذه المرة على تحويل الفسيخ إلى شربات، بالحديث عن الحزب الجديد وسبب انضمامه له بعد سنوات من الانقطاع عن العمل الحزبي المباشر.

ورغم ما حاول التمتع به من لباقة، لم يستطع عمرو أديب ابتلاع حديث الأستاذ رشوان عن أن الحزب الجديد "لا موالاة ولا معارضة.. لا مع ولا ضد.. هو حزب كل المؤمنين بالدستور (2014) وتحالف 30 يونيو.. نحن لا تجمعنا أفكار أو أيديولوجيات ولكن تصور سياسي... لن نكرر تجربة الهابطين من السماء... لا نسعى لتشكيل حكومة ولذلك من حقنا أن نقول نعم أو لا"، ليرد عليه قائلًا "هو إحنا هنخترع العجلة يا أستاذ ضياء؟!"، وجاء الرد بدوره مبهرًا "ما تسيبنا نخترع العجلة".

نفس العجلة ونفس الهوامش

للأسف، لن يصدق أحدٌ أننا بصدد اختراع عجلة جديدة وإن كانت ذهبية اللون تسير بمفردها دون سائق. فما بالكم لو لم يكن هناك اختراع لأي شيء من الأساس، بل قراءة من نفس الكتب القديمة التي نعرفها ونحفظها منذ أن قرر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حل الأحزاب ومأسسة نظام الحزب الواحد، بعد عامين فقط من ثورة 23 يوليو 1952.

وحتى عندما قرر الرئيس الراحل أنور السادات عودة الأحزاب فكان ذلك في سياق الاحتفاظ بالحزب الواحد أيًا كان اسمه؛ مصر أو الوطني الديمقراطي، مع تقييد حرية إنشاء الأحزاب وخضوعها لسيطرة الدولة التي تحدد مصيرها، سواء بالإغلاق أو البقاء متى شاءت.

وطوال ثلاثة عقود من حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك، كان كل المشتبكين في السياسة من بوابة الأحزاب، يعلمون أن الأمر برمته مرتبط بالهامش الذي تحدده الأجهزة الأمنية، وتضيقه أو توسَّعه كما تشاء. فيُسمح للمعارضين بـ50 مقعدًا بينهم 40 للإخوان في برلمان 2000، ثم يتضاعف الهامش في 2005 لتصل مقاعد المعارضة إلى نحو مائة، منها 88 للإخوان. وعندما تولى الوريث الذي لم يرث، جمال مبارك، إدارة الحزب الوطني مع صحبته في لجنة السياسات وأصدقائه من رجال الأعمال، قرروا تضييق هذا الهامش في 2010 من مائة مقعد إلى عشرة، حتى رحلوا بعدها بشهور مع اندلاع الثورة.

السيد المثقف الناصري ضياء رشوان أقرَّ واعترف بأن الحياة السياسية في مصر لم تكن في أفضل أحوالها منذ تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم في 2014 وحتى انطلاق الحوار الوطني، الذي يتولى رشوان أيضًا أمانته العامة، في أبريل/نيسان 2022، وذلك لأن الدولة أعطت الأولوية للاقتصاد ومحاربة الإرهاب. وأضاف أن حزب الجبهة الوطنية الجديد، الذي سيُستخدم في إعادة اختراع العجلة، هو محاولة لاستعادة الثقة في الحياة السياسية حتى وإن لم يجرِ تأسيسه بالأساليب نفسها التي تعود الى عصر اكتشاف الحروف الهيروغليفية في زمن الفراعنة.

ولا دليل على اتبّاع الأساليب المحفوظة ذاتها في تأسيس هذا الحزب المعجزة اللي هو لا كدا ولا كدا بس كدا وكدا، أكثر من التدفق المحزن لآلاف المواطنين في مختلف المحافظات لتحرير التوكيلات له. ويعلم أستاذي ضياء عندما يخلد لنفسه أن أيًا من هؤلاء المواطنين أصحاب التوكيلات لا يعرف الكثير عن هذا الحزب الجديد، ولا أسباب وملابسات تأسيسه وأسباب ظهوره الآن في وقت لم تتوقف فيه أجهزة الإعلام الرسمية على مدى السنوات العشر الماضية عن الهجوم على الأحزاب باعتبارها إما مُدارةً من الانتهازيين أصحاب المصالح أو العملاء للخارج.

أين هي العجلة؟

في الجلسات القليلة التي عقدناها لمناقشة أوضاع الأحزاب ضمن فعاليات الحوار الوطني، وهي جلسات شاركت في إدارتها كمقررٍ مساعدٍ للجنة الأحزاب السياسية، كنت أسمع الأسطوانات المشروخة نفسها من ممثلي أحزاب الموالاة القليلة عن انعدام جدوى الأحزاب، وكيف أن مصر بها أكثر من مائة حزب لا يفعل أي منها شيئًا، بينما هم من يتولون المهمة الشاقة في الدفاع عن الدولة وحماية أمنها. بل وتلقيت مقترحًا من ممثلي أحد أحزاب حب الوطن بتجميد كل الأحزاب ودمجها جميعًا في حزب أو اثنين.

ولأن الأستاذ ضياء مثقف بارع، فقد سعى بدوره للتقليل من أهمية وجود عصام العرجاني، نجل المهندس إبراهيم العرجاني رئيس اتحاد القبائل، ضمن قائمة مؤسسي الحزب، مكتفيًا بالإشارة له في الوثيقة التأسيسية الرسمية بصفة "الكابتن عصام جمعة"، وإسقاط لقب القبيلة "العرجاني"، وقد اختلط الأمر عليَّ في البداية وظننت أن المقصود هو الكابتن وائل جمعة مدافع الأهلي ومنتخب مصر السابق.

الأستاذ ضياء استخدم لغة الأرقام والإحصاءات قائلًا إن "الكابتن" عصام جمعة "العرجاني" ونائبًا آخر عن شمال سيناء "يمثلان 3.5% من اللجنة التأسيسية"، متناسيًا الملحوظة التي كان شريكه في المقابلة عاصم الجزار، وكيل مؤسسي الحزب ووزير الإسكان السابق، أدلى بها قبلها بقليل، بأن فردًا واحدًا فقط بإمكانه أن يكون مؤثرًا أكثر من حزب بأكمله، وأن الأمر لا يتعلق بالنسب والأرقام.

ورغم أن السيد الجزار أقر بأن كل الاجتماعات الثمانية لتأسيس الحزب جرت في مقر اتحاد القبائل الذي يشغل منصب أمينه العام، فإنه اعتبر ذلك أمرًا عاديًا وأن "المهندس إبراهيم" مثل بقية الـ sponsors/رعاة الحزب ماديًا، الذين يساعدونه في نشر مقراته في كل أرجاء مصر.

حتى إعلان الحزب الجديد، ظل الأستاذ ضياء ناجحًا في دفاعه المستميت عن النظام باستخدام كل حيل المثقفين، ولكنه على العكس من ذلك، لم يكن مقنعًا لأحدٍ وهو يحاول الزعم بأن الحزب الجديد يضم كل الأطياف، بما في ذلك "معارضون ومستقلون" من أمثال الأستاذ يوسف القعيد والسيدة فريدة الشوباشي وسامح الصريطي ورئيس تحرير الشروق وعضو مجلس الشيوخ عماد الدين حسين.

كما أكد السيد رشوان، لا فض فوه، أن الحزب الجديد سيكون شجاعًا مقدامًا في انتقاد كل المسؤولين "سواء كان وزيرًا أو رئيس هيئة"، وذلك على اعتبار أن سيادة الرئيس الذي عيَّنه رئيسًا للهيئة العامة للاستعلامات خارج السياق وفوق النقد، في اختلاف ثانٍ مع السيد عاصم الجزار الذي أشار في نفس المقابلة إلى أنه "لا أحد معصوم سوى الرسول صلى الله عليه وسلم".

ربما فات السيد الجزار أن حتى نبيَّنا الكريم لم يكن "معصومًا"، فقد عاتبه الله في سورة عبس وغيرها في القرآن الكريم. ولكن إذا كانت حدود نقد المسؤولين في الحزب الجديد بالنسبة لضياء رشوان تنتهي عند الوزير والحكومة ورئيس الهيئة وما فوقهم معصوم، فأين هي العجلة الجديد التي تخترعتها إذن أيها المثقف العظيم؟

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.