برخصة المشاع الإبداعي: ويكيبيديا
فريق نادي الزمالك الفائز بكأس إفريقيا للأندية البطلة عام 1993

مصر في إفريقيا| حين شجع الأهلاوية الزمالك.. والعكس

منشور الجمعة 3 يناير 2025

حتى نهاية الثمانينيات، لم يكن واردًا أن يعلن مشجع أهلاوي رغبته في هزيمة الزمالك إفريقيًّا، ولا العكس، أي أن يتمنى الزملكاوي هزيمة الأهلي في المنافسات نفسها. لم يكن ذلك نابعًا من روح رياضية، إنما من الخطاب الإعلامي السائد، الذي يكسو تلك المنافسات بطابع سياسي وصبغة وطنية.

لكن منذ التسعينيات بدأ ذلك يتغيّر رويدًا رويدًا، فلم يعد يُنظر للاستحقاقات الكروية على المستوى القاري بهذه الطريقة، وكان هذا التغيير نابعًا من دخول أوروبا على الخط.

في تلك الفترة، زاد حضور الكرة الأوروبية في المجال العام بين العاملين والمتخصصين وحتى الجمهور العادي، وكانت البداية من الصحافة الرياضية المتخصصة، والتي تُركِّز على كرة القدم بطبيعة الحال، لا سيما الأهرام الرياضي، ثم بدرجة أقل أخبار الرياضة، وحتى الملاحق الرياضية في الجرائد السيارة. كل هذا فتح نوافذ على تفاصيل ما يحدث في أوروبا، في حدود استطاعتها.

تلا ذلك انفتاح في الإعلام المرئي، بإتاحة بعض المباريات للإذاعة أولًا عبر الأقمار الصناعية، ثم بداية ظهور الفضائيات، وانتظام نقل المناسبات الكبرى، ولقطات من هذا الدوري أو ذلك، أو دوري أبطال أوروبا.

كل هذا جعل الكرة الأوروبية حاضرة ليس كصورة عامة أو أسماء كبيرة، بل بدأت دقائق الأمور تصبح متاحة، ومع الانبهار بالمستوى، وإدراك اتساع المسافة بين ما يحدث هنا وما يحدث على الضفة الأخرى للمتوسط، صار النظام الأوروبي هو النموذج الذي نقيس عليه كل شيء.

لم يحدث هذا فقط على مستوى الجمهور، بل إن المسؤولين أنفسهم في الكاف أو الاتحاد المصري بدأوا في تمثُّل خطى أوروبا والسير عليها، فأعيد تنظيم البطولات الإفريقية نفسها لتصبح على غرار البطولات الأوروبية في النظام وحتى التسميات، واستحدثت بطولات مثل السوبر الإفريقي والكونفيدرالية الإفريقية، بل إن البطولات أعيد تقييمها بأثر رجعي.

إذا نظرنا إلى بطولة مثل كأس الكؤوس الإفريقية، سنجد أنها في الثمانينيات كانت تضارع كأس إفريقيا للأندية البطلة ولا فارق بين البطولتين في النظام أو القوة أو القيمة. لكن تعديلات الكاف في التسعينيات، وكان أهمها تغيير مسمَّى كأس إفريقيا للأندية البطلة إلى "دوري أبطال إفريقيا" وتوسيع نطاق الأندية المشاركة فيه وتقسيمها إلى مجموعات على الطريقة الأوروبية بالإضافة إلى إقرار جوائز مالية كبيرة مقارنة بما كان موجودًا، أدت إلى اتساع التباين مع كأس الاتحاد الإفريقي التي أصبحت بطولة لأندية الصف الثاني. غير أن الجمهور بات يعتبر هذا التباين وكأنه قائم منذ البداية.

ما يعنينا الآن، هو أن تمثُّل البطولات الأوروبية، غيّر النظرة إلى البطولات الإفريقية، فلم تعد محمَّلة بتلك النظرة السياسية التي تفرض بُعدًا وطنيًا، على الأقل فيما هو معلن، لتصبح هي المقابل لدوري أبطال أوروبا، والدوري الأوروبي وغيرها من البطولات القارية.

ربما تجدر هنا الإشارة إلى أن هذا لم يكن مريحًا للنادي الأهلي أول الأمر، الذي كان يشارك إفريقيًّا نزولًا على رغبة الدولة. وعندما خف الأمر كثيرًا في التسعينيات، وصارت الأمور تُرَى فقط في إطار منافسات كروية، حاول الأهلي السير في طريق مختلف عن الطريق الاعتيادي.

إذا كانت الكرة في أوروبا هي منافسات محلية، ثم منافسات قارية، وإذا كان من الضروري جماهيريًا أن يكون هناك امتداد قاري، فلماذا يجب أن يبقى هذا الامتداد لدينا قاريًا؟ لِمَ لا يكون إقليميًا عربيًا، باعتبار أن امتدادنا الطبيعي هو العالم العربي لا القارة السمراء؟

في الواقع، لم يكن الأمر نابعًا من رؤية أيديولوجية قومية مثلًا، أو انحياز تاريخي، أو تأثر بالحقبة الناصرية أو ما إلى ذلك، إنما لوجود صالح سليم على رأس إدارة النادي الأهلي. وصالح كان رجلًا يتمتع بعلاقات واسعة في منطقة الخليج العربي، وكم اجتذب مشاهيرها وأغنياءها لدعم النادي، منهم على سبيل المثال لا الحصر الأمير عبد الله الفيصل.

في المقابل، لم تكن علاقة الأهلي بالكاف على ما يرام، أو بالمستوى نفسه. وكان معتادًا أن تنتقد الأصوات الأهلاوية طرق وأساليب وإمكانات البطولات القارية، ولا نعني هنا صوتًا معينًا أو خبرًا ما، يكفي أن نقول أن الأمور وصلت لطريق مسدود بداية من 1994، ليعتزم الأهلي وقتها التخلي عن المسار الإفريقي للأبد.

نظم الأهلي، وشجع على تنظيم، عددًا من البطولات العربية في التسعينيات، في محاولة لإيجاد بديل عن المسابقات الإفريقية، يمكن أن يكافئ دوري أبطال أوروبا. لكن هذه المحاولة لم تنجح، لأن شعبية النادي لم تكن كافية لإعادة رسم الخريطة من الصفر، كما أن هناك عوامل أخرى لم تكن لتترك تلك المساعي في طريقها الحر.

مثلًا، كان الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) صارمًا فيما يتعلق بالاتحادات الإقليمية غير القارية، التي لم تكن بطبيعة الحال تحت مظلتها، وكانت تهدد سيطرة المنظومة القوية على اللعبة الشعبية الأولى في العالم، قبل أن تحدث تفاهمات مؤخرًا.

لكن في التسعينيات، كان ما تحتاجه هو إقرار نظام مبدئي مستقر، ومن هنا لم تكن هناك قيمة للبطولات العربية، فلا هي تؤهل لشيء أكبر أو تسهم في تصنيف أو حتى تزيد الحصيلة من بطولات معترف بها. رسميًا، هي لم تكن أكثر من بطولة ودية.

من ناحية أخرى، سعى الكاف في حدود إمكاناته، وربما أكبر قليلًا، إلى التغلب على مشكلات بطولاته، وأهمها ضعف الجوائز المالية، وعقم نظام المنافسة، وغيرها من الأمور.

في عام 1997، يتغير نظام البطولات الإفريقية جذريًا، ليقرر الأهلي العودة 1998، وتستقر الأمور على المنحى الجديد؛ حيث ما يحدث في إفريقيا نسخة مما يحدث في أوروبا. من هنا لم يعد عمليًا الأهلي أو الزمالك ممثلًا للكرة المصرية، بل يمثل نفسه فقط، خصوصًا مع تعديل النظام لاحقًا ليصبح حتميًا وجود ناديين من مصر متنافسين في كل نسخة من البطولات الإفريقية. وبالنسبة للبطولة الأهم، دوري أبطال إفريقيا، فإن الناديين عادة ما يكونان الأهلي والزمالك.

التنافس القاري بين الناديين صار كرويًا على أشده، وساهمت أزمة جائزة نادي القرن الإفريقي في اشتعال التنافس، ومن ثَمَّ لم يعد هناك مكان للخطاب الأهلاوي الذي يتمنى فوز الزمالك إفريقيًا، أو العكس.