بدأ الدوري المصري في عجالة، ذكرت هذا في أكثر من سياق، أسابيع قليلة فصلت بين اتخاذ قرار تنظيم البطولة المحلية الأكبر والأقوى والأهم للكرة المصرية، وتنفيذ هذا القرار فعلًا بإقامة المباريات. شهدت تلك الأسابيع إعداد اللائحة وإعلان البرنامج الذي لم تُنفذ معظم بنوده.
المهم، في تلك العجلة، لم يحسم اتحاد الكرة عدة أمور مهمة وفاصلة، ولم يعد خططًا لما قد يظهر من أحداث، وأهم تلك الأمور غير المحسومة كانت قواعد كسر التعادل، وتنظيم أمر الهبوط للدرجة الأدنى.
تعتمد بطولات الدوري كما نعلم على النقاط، هي ليست مثل مباريات الكؤوس، الغالب فيها مستمر، بل تلتقي جميع الأندية بعضها ببعض، ولكلِّ فائز بأيِّ مباراة عدد من النقاط، تقرر وقتها أن تكون نقطتين كما يجري في العالم كله، وللمتعادل نقطة، وللخاسر لا شيء. حسن! ماذا لو انتهى الموسم بتعادل فريقين في عدد النقاط؟
لم يكن هذا أمرًا محسومًا، فقط أعلن اتحاد الكرة وقتها أنه لن يلجأ لفارق الأهداف لكسر التعادل، رغم أمرين؛ أولهما أن نظام فارق الأهداف كان معلومًا للوسط الرياضي المصري كما يتضح من نقاشات الصحف وقتها، والثاني أنَّ احتمال التعادل في النقاط كان حاضرًا في الأذهان بالفعل، لا سيما مع قلة عدد المباريات نسبيًا. وكلما قلت عدد المباريات، زاد احتمال التساوي في النقاط.
أما الهبوط، فكان المعلن في بادئ المسابقة أنَّ الأندية التي ستحتل المراكز الثلاثة الأخيرة ستهبط مباشرة إلى ما سُمِّي وقتها "القسم الأدنى". أما الفريق السابق للثلاثة الأخيرة، أي صاحب المركز الثامن، فعليه خوض لقاء فاصل ضد متصدر الدرجة الأدنى، فإن فاز استمر في الدوري، وإن خسر يحل متصدر الدرجة الأدنى محله.
كان السبب في هذا النظام العجيب رغبة في أن يصبح عدد أندية الدوري بعد ذلك ثمانية، بالإضافة إلى التخوف من مستوى فرق الدرجة الأدنى، لذا وضعوا شرطًا للمتصدر أن يهزم أحد أندية الدوري الممتاز ليتأهل.
كل هذا لم يحدث، فالدرجة الأدنى لم تُقَم من الأساس، لأسباب يطول شرحها، ومن هنا صار لزامًا تغيير القواعد، لكن حتى نهاية المسابقة، لم يكن شيء قد تقرر بعد!
لغز المربع الذهبي
عندما اقتربت النسخة الأولى من نهايتها، تعالت الأصوات لحسم هذه الأمور المتعلقة، حتى يعرف الجميع ما ينبغي فعله، لكنَّ أحدًا لم يقرر شيئًا، حتى انتهت المسابقة فعلًا، وكان الأهلي كما نعلم هو البطل، لم يتساوَ معه أحد في النقاط، ويبدو أن هذا كان كافيًا للجمهور، لكن ماذا عن باقي المراكز؟
في المركز الثاني تساوى ناديا الترسانة وإسماعيل/الإسماعيلي في عدد النقاط، ولا نفهم حتى الآن السبب في أن اتحاد الكرة لم يرتضِ أيَّ نظام لاعتماد ترتيبهما، فقرر إقامة لقاء فاصل لتحديد "وصيف الدوري". وبالطبع، لم يكن تعبير "الوصيف" معروفًا، إذ صكه ميمي الشربيني بعد ذلك بعقود طويلة. وقتها، سمّوه "البطل الثاني للدوري".
قرر اتحاد الكرة كذلك أن يكون اللقاء على ملعب محايد لا في القاهرة ولا الإسماعيلية، فاختاروا ملعب "اليونيون سبورتيف" في السويس تحت قيادة تحكيمية لمحمود بدر الدين، صاحب فكرة الدوري، الذي قرر عدم صلاحية الملعب، فظلوا يبحثون عن بديل، ولعبوا في نهاية الأمر على أرض في بورتوفيق تسمى أرض الشركة، وفاز الترسانة بالمركز الثاني، هل حدث فارق؟ بالطبع لا.
الفارق كان في تحديد صاحب المركز الرابع، لأنَّ اتحاد الكرة قرر أن يختتم الموسم بمباراة بين منتخبين من الأندية أصحاب "المربع الذهبي"، المنتخب الأول يضم لاعبي بطل الدوري وصاحب المركز الرابع معًا، والمنتخب الثاني يضم أصحاب المركزين الثاني والثالث.
في المركز الرابع تساوى ناديا فاروق/الزمالك والمصري في عدد النقاط، ولم يتقرر إقامة لقاء فاصل لتحديد المركز الرابع، فماذا عن اللقاء المنتظر، وكان محل اهتمام في وقت لم يكن الفارق بين الرسمي والودي كبيرًا كما هو الحال الآن؟
النادي الذي سيغيب عن الدوري قد لا يجد نشاطًا، فأصبحت تلك الأندية مهددة بفقدان لاعبيها
في الواقع جرت قرعة لتحديد الفريق الرابع المشارك في مباراة الاتحاد، وفاز في القرعة المصري البورسعيدي وبالفعل شارك لاعبوه في المباراة مع لاعبي الأهلي، وهو ما جعل المؤرخين والإحصائيين يقرون أن الموسم الأول انتهى ونادي فاروق/الزمالك ليس في المربع الذهبي، غير أنَّ هناك ما قد يقول العكس.
تقرير اتحاد الكرة الرسمي الذي قدمه سكرتير الاتحاد، ونشرته جريدة المقطم في أغسطس/آب 1949، يقول إن نادي فاروق هو صاحب المركز الرابع، والنادي المصري هو الرابع مكرر مع تقديم فاروق على المصري! ولا يشير للمباراة المذكورة أو القرعة، وتقديري الشخصي أنَّ ذلك جاء بعد الفشل الذريع في تنظيم المباراة (وهي شبيهة بفكرة بطولة السوبر) والفوضى في إقامتها ومراسم توزيع الجوائز، مما أدى باتحاد الكرة إلى عدم تكرار الأمر لاحقًا على أي صورة.
على أيِّ حال، ربما لا يشكل ذلك فارقًا، لكن ماذا بشأن الهبوط؟
الدوري الموازي
انتهى الموسم بتذيِّل نادي اليونان جدول المسابقة، ويسبقه الترام، وقبلهما بورفؤاد، وطبقًا للائحة، فإن هذه الأندية تهبط للدرجة الأدنى مباشرة، لكنَّ الدرجة الأدنى لم تقم، وليس مؤكدًا أن تقام، لذلك فإنَّ النادي الذي سيغيب عن مسابقة الدوري قد لا يجد نشاطًا، ومع وجود لائحة الاستقالات، كانت تلك الأندية مهددة بفقدان لاعبيها.
فكرة الاستقالات ببساطة هي أن أي لاعب من حقه أن يستقيل من ناديه ويلتحق بناد آخر، بالطبع كانت هناك بعض الضوابط، ربما ناقشناها لاحقًا، لكنَّ الوضع العام هو أنك كلاعب هاوٍ لست مرتبطًا مع ناديك بعقد، ومع إمكانية الاستقالة، فعمليًا أنت لست مرتبطًا معه بشيء.
تعالت النداءات لتفادي هبوط هذه الأندية الثلاثة دفعة واحدة، هي أكثر من ربع الدوري، كما أنها ممثلة لإقليمين (ناديان من الإسكندرية، ونادٍ من القناة) فقرر اتحاد الكرة أمرًا حتى الآن هناك اختلاف على طبيعته.
لعبت هذه الأندية الثلاثة "دوري" مستقلًا من دورين، فيما يبدو لي أن هذا الدوري كان بديلًا عن الدرجة الثانية، بمعنى أنه كان موسمًا استثنائيًا، فقد لعبت الأندية هذا الدوري في أغسطس وسبتمبر/أيلول، وعمليًا هما في توقيت الموسم الجديد، وبناء عليه فإنَّ ذلك الدوري لا يعتبر ضمن لقاءات الدوري تاريخيًا، بل هو درجة أدنى أكثر منه ملحقًا فاصلًا لتحديد الهابط.
بناء على ذلك "الدوري"، وطبقا لنتيجته، "صعد" ناديا بورفؤاد واليونان، وكان لاعبو الفريقين جميعًا يونانيين، واستمر الترام السكندري في الدرجة الثانية، رغم أنه لم يكن متذيل الترتيب في الموسم!
قد تبدو تلك الحكايات البعيدة زمنيًا أمرًا بلا دلالة، غير أنني أرى بوضوح أنَّ جذور مشاكلنا تبدأ من هناك؛ ما المفاهيم التي نؤسس عليها قراراتنا؟ أو هل هناك مفاهيم أصلًا؟