برخصة المشاع الإبداعي- الموقع الرسمي للبنك الزراعي المصري
البنك الزراعي المصري

البنك الزراعي إللي مش بس زراعي.. بين تحقيق الأرباح ومساندة الفلاحين

منشور الخميس 9 يناير 2025

قبل نحو ثماني سنوات جرتْ تغييرات هيكلية في البنك الزراعي، استهدفت بالأساس الحد من استخدامه أداةً للدعاية السياسية عند إلغاء ديون الفلاحين، ليصبح مؤسسةً هادفةً للربح وأكثر تنوعًا في نشاطه الاقتصادي. 

وبينما تشير العديد من المؤشرات إلى أن البنك أصبح أكثر انضباطًا من الناحية المالية، لا يزال القطاع الزراعي يعاني من ضعف التمويل، فهل يُعزى ذلك إلى تغيّر نشاط البنك ليصبح أكثر تنوعًا، أم أن دعم الزراعة مسألة أكبر من "البنك الزراعي" نفسه؟

2016 عام تغيير الهوية 

خلال السنوات الأخيرة اتجهت الدولة لتغيير هوية عدد من البنوك المتخصصة، بعد أن رأت أن تركيز البنك على تمويل نشاط محدد يعرّضه لمخاطر الخسارة "البنك المركزي وجه بإلغاء البنوك المتخصصة لتجنب اعتماد أي بنك على نشاط واحد فقط" يقول ماجد فهمي، رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب السابق لبنك التنمية الصناعية لـ المنصة.

"الرؤية الجديدة هي أن أي بنك يستطيع تقديم أغلب الخدمات، مع توجيه التركيز لدعم قطاع معين"، يضيف فهمي.

كان بنك التنمية والائتمان الزراعي ضمن البنوك التي تغيّرت هويتها في السنوات الأخيرة، بعد عقود طويلة تلت تأسيسه في ثلاثينيات القرن الماضي قدم خلالها التمويلات الميسرة لصغار الفلاحين. تحويل هوية البنك لم يغير كثيرًا في اسمه، فقد صار اسمه الجديد "البنك الزراعي المصري"، لكن التعديل الأهم  في القانون الجديد المنظم له منذ 2016 كان تحويله من مؤسسة تابعة لوزارة الزراعة إلى شركة تخضع للبنك المركزي.

ولطالما تعرضت الإدارة الحكومية للبنك لانتقادات بسبب غياب الانضباط المالي، نتيجة لتدخل الدولة مرارًا لإلزامه بإسقاط ديون المزارعين المتعثرين، ما كان يحمله بأعباء مالية كبيرة، حسب تقارير أوضحت أن البنك كان محملًا بخسائر تتجاوز ثلاثة أضعاف رأسماله، وبعد أن أصبح البنك تحت ولاية البنك المركزي، حصل منه على وديعة بقيمة 20 مليار جنيه لتعزيز رأسماله.

"هذا الدعم أسهم في إسقاط ديون متعثرة عن 365 ألف عميل بقيمة تصل إلى 10 مليارات جنيه، ساهمت في تراجع نسبة التعثر لنحو 3.2% حاليًا من العملاء مقابل أكثر من 70% قبل تلك المبادرة"، يؤكد مسؤول في قطاع الائتمان في البنك الزراعي لـ المنصة طلب عدم نشر اسمه.

وقال البنك في 2020 إنه يتطلع لتحقيق أرباح صافية خلال ثلاث أو أربع سنوات، لكنه لم ينشر منذ ذلك الوقت بيانات منتظمة عن نتائج أعماله.

كيف غيّر البنك الزراعي جلده؟

خلال العام الماضي أطلق البنك حملة إعلانية ضخمة تحت شعار "البنك الزراعي المصري.. مش بس زراعي" للترويج لبرامجه التمويلية التي تستهدف أنشطة حرفية أو تجارية بعيدة تمامًا عن مجال الزراعة، هذه الحملة كانت انعكاسًا لتوجه جديد تبناه يستهدف تحسين نتائجه المالية.


"القطاعات التجارية والصناعية تشهد نموًا مستمرًا خلال الفترة الراهنة، وهي فرصة جيدة لحصول البنك الزراعي على حصة من كعكة من هذه التمويلات"، كما يصرح المسؤول في قطاع الائتمان بالبنك الزراعي.

وتعكس بيانات البنك المركزي كيف تُكثّف البنوك من تمويلاتها للأنشطة التجارية والصناعية، ما يعكس رواج أنشطة الإقراض في هذه المجالات مقارنة بضعف النشاط التمويلي في المجال الزراعي. 

ويفسر فهمي إحجام القطاع المصرفي عن تمويل القطاع الزراعي بقوله إن "عددًا كبيرًا من البنوك يتخوف من تمويل المشروعات الزراعية، لأنها تنطوي على مخاطر مرتفعة مثل اختلاف سعر المحاصيل من موسم لآخر".

ويقرُّ المصدر في قطاع الائتمان بالبنك بأن أرباح تمويل الزراعة محدودة ما يجعلها عائقًا أمام مساعي البنك لتحسين نتائج أعماله، مشيرًا إلى أن البنك "ركز خلال السنوات الأخيرة على التوسع في تمويل بعض الأنشطة الصناعية منخفضة المخاطر والتي كانت تحقق هوامش ربح جيدة".

ويفيد المصدر بأن البنك كان يسعى لتحقيق الربح أيضًا عبر الدخول في تحالفات مصرفية لتمويل أنشطة غير زراعية.

وبلغت محفظة القروض المشتركة بالبنك الزراعي 1.2 مليار جنيه، عبر 13 قرضًا، لتمويل شركات كبرى في مجالات مختلفة تتنوع بين الأنشطة الصناعية والزراعية والخدمية، حسب تقارير صحفية في 2024.

التحول عن الزراعة ليس سهلًا؟

رغم التوسعات في الأنشطة غير الزراعية، يقول المسؤول في إدارة الائتمان إن النسبة الأكبر من تمويلات البنك لا تزال تتجه إلى أنشطة ترتبط بالزراعة أو الإنتاج الحيواني والثروة السمكية. 

ويشرح رئيس سابق للبنك لـ المنصة، طلب عدم نشر اسمه، أنه حتى في حالات تمويل الأنشطة غير الزراعية فإن "العديد من الأنشطة التجارية والصناعية التي يدعمها البنك مرتبطة بالخدمات الريفية، مثل إنتاج المعدات الزراعية أو الصناعات الغذائية".

ووفق بيانات صادرة عن البنك الزراعي، استحوذت التمويلات الموجهة للقطاع الزراعي والصناعات والأنشطة الإنتاجية المرتبطة به على نحو 80% من إجمالي المحفظة الائتمانية للبنك.

ويفسر المسؤول في قطاع الائتمان بالبنك استمرار استحواذ الأنشطة المرتبطة بالزراعة على غالبية التمويلات بأنه "ليس من السهل أن يخلع البنك الزراعي عباءة تمويل القطاع والتحول كليةً إلى الأنشطة الأخرى، كما أن البنك يمتلك مقومات يفتقر إليها أي بنك تجاري آخر، وهي وجود شبكة فروع تنتشر في أكثر من 1200 مدينة ومركز وقرية".

فائدة منخفضة في بيئة تشددية

يتباهى البنك الزراعي المصري بتقديم فوائد ميسرة على قروضه للمزارعين، وسط بيئة من التشديد النقدي خلقها البنك المركزي خلال العامين الماضيين وصلت بفائدة البنوك لمستويات غير مسبوقة كرد فعل على معدلات التضخم المرتفعة، وتُعزى فوائد "الزراعي" الميسرة إلى الدعم الذي يتلقاه من الدولة.

بالرغم من اتجاه البنك المركزي لإلغاء كافة مبادرات دعم الإقراض في 2022 بعد انتقادات من صندوق النقد الدولي، لكن دعم المركزي لقطاع الزراعة استمر من خلال مبادرة تمويل المشروعات الصغيرة بفائدة 5% متناقصة، والتي لم تتوقف مثل المبادرات السابقة لأنها لا تتلقى دعمًا مباشرًا من المركزي وإنما يسمح البنك بإعفاء تلك القروض من الاحتياطي الإلزامي مقابل خفض الفائدة.

وكان البنك الزراعي ضمن البنوك التي توسعت في تقديم القروض للمشروعات الزراعية الصغيرة بفائدة 5%، كما يستفيد سنويًا من الدعم المالي الذي تقدمه الحكومة له. 

هذا بجانب ما يتلقاه البنك الزراعي من دعم من الحكومة لتمويل فروق أسعار الفائدة للقروض المقدمة للنشاط الزراعي، التي بلغت في موازنة العام المالي الحالي 600 مليون جنيه.

ويقول المسؤول في قطاع الائتمان بالبنك الزراعي المصري إن أهمية القروض الميسرة التي يقدمها البنك بفائدة 5% تبرز عند مقارنتها بتكلفة التمويلات خارج نطاقها، والتي تتراوح حاليًا من 30 إلى 35%.

دور محدود في دعم المزارعين

لكن دعم البنك الزراعي لا يكفي لتغطية احتياجات القطاع، إذ تشير العديد من الدراسات إلى مصاعب التمويل، خصوصًا مع ارتفاع المصاريف الإدارية وعبء الضمانات المطلوبة وعدم تزامن مواعيد سداد الأقساط مع مواعيد تدفق الإيرادات في النشاط الزراعي المرتبط بمواسم الحصاد. 

ويحذر حسين عبد الرحمن أبو صدام، نقيب عام الفلاحين، من عدم كفاية التمويلات الميسرة من البنك الزراعي، مؤكدًا لـ المنصة أن ذلك يدفع بعض الفلاحين للحصول على قروض من التجار بفوائد باهظة قد تصل لـ40% لشراء باقي مستلزمات المحاصيل الزراعية، وفي المقابل يحجز بعض التجار على المحاصيل في المخازن لضمان سداد القرض.

فيما يقول عزت عزيز عضو شعبة الحاصلات الزراعية بغرفة القاهرة التجارية لـ المنصة إن حجم تمويلات البنك لا يتناسب مع أسعار الأسمدة الحالية التي شهدت زيادة كبيرة منذ بداية عام 2024 بسبب ارتفاع سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأميركي.

ويضيف أن المزارعين يضطرون لبيع المحاصيل الزراعية قبل حصادها بفترة للتجار بأسعار رخيصة للحصول على التمويل مما يتسبب في خسارتهم جانبًا كبيرًا من الربح.

ويرى عزيز أن مهمة مساندة القطاع الزراعي لا يمكن أن يؤديها البنك الزراعي وحده ولكن يجب تحفيز القطاع المصرفي بأكمله على ذلك "البنوك الأخرى تقدم تمويلات للنشاط الزراعي بفائدة تتجاوز الـ30%، يجب دفع القطاع المصرفي لتقديم تمويلات لهذا القطاع بفائدة لا تتجاوز الـ10% مع زيادة حجم التمويل".