إسماعيل الأزهري، خرائط جوجل
أحد شواطئ رأس الحكمة

كيف تستغل الحكومة لحظة "رأس الحكمة" وتحولها لاستثمارات مستدامة؟

منشور الثلاثاء 31 ديسمبر 2024

سلطت تجربة صفقة رأس الحكمة الضوءَ على دور الاستثمارات العربية في انتشال الاقتصاد المصري من أزمة شح النقد الأجنبي فيما بدا خطة مارشال، إذ استطاعت صفقة واحدة المساهمة في العودة باحتياطي النقد الأجنبي إلى مستويات تُمكِّن الاقتصاد من الخروج من عنق زجاجة الأزمة، ما حفز الحكومة على تكثيف جهودها لجذب المزيد من الاستثمارات العربية.

بغض النظر عن الإيرادات الاستثنائية لصفقة رأس الحكمة، التي ظهر أثرها على بيانات التدفقات الداخلة للاستثمارات الأجنبية المباشرة في 2023-2024، تعكس بيانات العامين السابقين على الصفقة زخمًا قويًا للاستثمارات العربية في مصر، ما عززته صفقات الخصخصة التي اقتنص الخليجيون جانبًا كبيرًا منها.

صفحة جديدة 

يؤكد وزير الاستثمار والتجارة الخارجية حسن الخطيب لـ المنصة أن وزارته "منذ عودتها مجددًا تعمل على حل مشكلات الاستثمارات السعودية ليجري إنهاء 80% من تلك المشاكل على أن تُنهى بالكامل خلال أشهر قليلة".

يقول الخطيب إن السعي لجذب هذه الاستثمارات تطلب فتح "صفحة جديدة" مع المستثمرين العرب، معتبرًا النجاح "في إنهاء اتفاقية حماية الاستثمارات خلال شهرين فقط بعد تعطلها نحو 5 سنوات" واحدًا من مؤشرات الاهتمام الحكومي بجذب الأموال السعودية.

في منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وقعت مصر والسعودية اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات المتبادلة بين البلدين، وذلك على هامش زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى مصر.

وأشار وزير الاستثمار إلى ضرورة إصلاح بعض السياسات النقدية والمالية في مصر، قبل العمل على جذب استثمارات جديدة للسوق المحلية، أهمها القضاء على فكرة فرض عشرات الجهات الحكومية لرسوم ضريبية وإدارية بشكل غير منظم.

وشدد الخطيب على أن كل المستثمرين يتساءلون عن السياسات المالية والنقدية والرسوم الضريبية ومدى استقرارها على مدار عدة سنوات مقبلة، بالتالي يجب أن تكون كل تلك الأمور واضحة أمامهم وممهدة لجذب مزيد من الاستثمارات.

وفي مايو الماضي، تعطّلت صفقة رأس جميلة بسبب تدني قيمة العرض السعودي مقابل حق الانتفاع بأراضي المدينة، إذ طلبت الحكومة الحصول على أكثر من 5 مليارات دولار من الجانب السعودي حسبما أكد مصدر مطلع على ملف الاستثمارات الأجنبية والعربية بمجلس الوزراء لـ المنصة.

وفي 7 ديسمبر/كانون الأول الجاري، التقى رئيس الوزراء مصطفى مدبولي بأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني ورجال أعمال غرفة التجارة والصناعة القطرية على هامش منتدى الدوحة 2024، وجرى الاتفاق على فتح آفاق لجذب المزيد من الاستثمارات القطرية في مصر خلال الفترة المقبلة.

وتستعد الحكومة للإعلان عن صفقات استثمارية كبرى بالسوق المحلية بالشراكة مع قطر بداية يناير/كانون الثاني المقبل، تشمل تنفيذ العديد من المشروعات في قطاعات متعددة بقيمة استثمارات تتجاوز 5 مليارات دولار، حسبما أكد مصدر حكومي مطلع على ملف الشراكات مع الدول العربية في تصريحات سابقة لـ المنصة.

ما الذي يفضله العرب غير العقارات؟

بالنظر إلى البيانات التاريخية للاستثمارات العربية في مصر، التي حصلت المنصة على نسخة منها تعود إلى عام 1922 وحتى الوقت الراهن، كانت استثمارات القطاع التمويلي هي الأكثر جذبًا للأموال العربية في مصر، يليها القطاع الصناعي ثم العقاري، حسب رأس المال المُصدر في كل قطاع.

وتعكس هذه البيانات الفرص الكبيرة لجذب الاستثمارات العربية في أنشطة مختلفة عن النشاط العقاري، على عكس الاعتقاد السائد بتفضيل العرب للأنشطة العقارية أو السياحية.

"هناك فرص كبيرة لقطاع الصناعة بشكل عام، والصناعات التحويلية والمغذية بشكل خاص، إلا أن الأمر يتطلب تهيئة مناخ الاستثمار بشكل أكبر والإجابة على كل تساؤلات المستثمرين بشكل واضح"، كما يوضح وزير الاستثمار ضمن تصريحاته لـ المنصة.

ويكشف سفير المملكة العربية السعودية السابق لدى مصر، أسامة بن أحمد نقلي، لـ المنصة أن "الاستثمار السعودي الصناعي أكبر  من العقاري، لكنه لا يحظى بتلك الشهرة، علاوة على الاستثمارات في القطاع الصحي والطبي".

وسجلت التدفقات الداخلة للاستثمارات السعودية في السوق المصرية نحو 7.7 مليار دولار خلال الفترة بين السنة المالية 2007-2008 و2022-2023، إلا أن السنة المالية الأخيرة كانت الأكبر  خلال تلك الفترة، إذ بلغت فيها هذه الاستثمارات نحو 2.4 مليار دولار.

"استثمارات المملكة تشهد عمليات نمو مستمرة منذ دخولها السوق المصرية وما يحدث حاليًا ليس أمرًا وقتيًا فقط" يقول النقلي لـ المنصة.

انتعاشة قوية في الاستثمارات "الخضراء"

تعكس أخبار الاستثمار في مصر خلال السنوات الأخيرة الإقبال القوي للشركات الخليجية على الاستثمار في قطاع الطاقة النظيفة في مصر، الذي استطاع جذب صفقات مليارية خلال فترة قصيرة.

"الاستثمارات الخضراء تتنافس بقوة على صدارة القطاعات الأكثر جذبًا في مصر"؛ يصرح أمين عام اتحاد الغرف العربية الدكتور خالد حنفي لـ المنصة، مشيرًا إلى الصفقات الأخيرة لشركات خليجية مثل أكوا باور ومصدر في هذا المجال.

وأشار أيضًا إلى دخول استثمارات إماراتية وسعودية في مشروعات تحويل النفايات إلى طاقة، التي تهدف إلى تحويل المخلفات العضوية والصلبة إلى كهرباء وطاقة متجددة.

من جانبها، تؤكد وزيرة البيئة ياسمين فؤاد لـ المنصة تجهيز وإطلاق العديد من الفرص والحوافز لتسهيل وجذب الاستثمارات العربية في عدد من المشروعات الخضراء والمجالات المختلفة، مثل مجال المتبقيات الزراعية ومجال معالجة وتدوير المخلفات البلدية الصلبة، بهدف زيادة معدلات التدوير لتصل إلى 60% بحلول عام 2026.

وتشير ياسمين فؤاد إلى أن هناك عددًا من الفرص الاستثمارية التي يجري العمل على طرحها تستهدف زيادة كميات الوقود البديل إلى 3 ملايين طن سنويًا، وكميات السماد العضوي لتصل إلى 6 ملايين طن سنويًا، إضافة إلى تطوير منظومة معالجة والتخلص الآمن من المخلفات الطبية.

وتفيد وزيرة البيئة بعمل الوزارة على إعداد مجموعة من الفرص الاستثمارية للاستفادة من المتبقيات الزراعية المختلفة المتولدة على مستوى كل محافظات الجمهورية، إضافة إلى مجموعة من الفرص الاستثمارية للاستفادة من مخلفات البناء والهدم.

أول حافز يجب منحه لتعظيم الاستثمار في الطاقة النظيفة في مصر يتمثل في وجود مُنظم للقطاع، يؤكد الأمين العام للمجلس الأعلى للطاقة في دبي أحمد بطي المحيربي لـ المنصة.

ويوضح مساعد الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في مصر الدكتور محمد بيومي أن "قطاع الطاقة النظيفة في مصر سيكون جاذبًا حال توافر التكنولوجيات الملائمة بأسعار مناسبة، فالأمر مرتبط دائمًا بالعائد على الاستثمار وهو يتأتى من خلال توفير التكنولوجيات التي تعمل على خفض التكاليف وبالتالي جذب الاستثمارات".

استثمر في شركة مصرية ناشئة

برزت الشركات الناشئة في مصر مجالًا جديدًا لجذب رؤوس الأموال الأجنبية والعربية. ويؤكد وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات عمرو طلعت لـ المنصة على أن عمليات التشبيك بين الشركات الناشئة المصرية والمستثمرين التي تتم داخل مراكز إبداع مصر الرقمية استطاعت جذب تدفقات أجنبية كبيرة خلال الفترة الماضية، يضيف "نجحت 40 شركة ناشئة في مركزي إبداع مصر الرقمية في القاهرة والجيزة في جذب استثمارات بقيمة 40 مليون دولار خلال عامين".

يعزو وزير الاتصالات زيادة هذا النمط من الشركات إلى "الجهود المبذولة لتسهيل إجراءات إنشاء الشركات الناشئة"، إذ عملت الوزارة على تخفيض رأس مال إنشاء شركات الشخص الواحد من 50 ألف جنيه إلى 1000 جنيه؛ وتأسيس شركات مقراتها افتراضية، والعمل على بناء منصة رقمية لتأسيس الشركات عن بُعد.

وتصدرت الإمارات قائمة الدول العربية الأكثر استثمارًا في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المصري بنسبة 46.9% وبقيمة 2.8 مليار دولار، وبفارق بسيط احتلت السعودية المركز الثاني بنسبة 46.4% وقيمة 2.7 مليار دولار، ليستحوذا معًا على 93% من استثمارات العرب في القطاع البالغة 6 مليارات دولار.

البورصة السلعية تنتظر الأموال العربية

رغم تراجع نشاط البورصة السلعية مؤخرًا، مع خروج هيئة السلع التموينية من نشاط استيراد السلع الأساسية، فإن الحكومة تتطلع إلى جذب الأموال العربية لاستعادة الزخم في هذه البورصة.

"نستهدف الشراكة مع الاستثمارات العربية لتطوير آليات العمل بالبورصة السلعية المصرية، إضافة إلى العمل معهم على التوسع في إنشاء الصوامع وزيادة السعات التخزينية، لما لها من مردود كبير على تأمين إتاحة السلع بأسعار عادلة"، يصرح وزير التموين والتجارة الداخلية الدكتور شريف فاروق لـ المنصة.

ويكشف وزير التموين عن امتلاك الوزارة مجموعة من الفرص المتاحة للشراكة مع الشركات العربية، تتضمن تطوير البنية التحتية للتجارة الداخلية، إضافة إلى الفرص الاستثمارية المتخصصة في قطاع الصناعات الغذائية بالسوق المحلية.

ويضيف فاروق لـ المنصة أن الفرص الاستثمارية المتاحة تشمل تمويل استيراد السلع الأساسية، وهو ما جرت مناقشته مع بنك "أبو ظبي الأول- مصر" التابع للإمارات، للحصول على تمويل بنكي لشراء السلع الأساسية وتعزيز المخزون الاستراتيجي، لتعزيز الأمن الغذائي في البلاد.

ويشير إلى الدور الكبير الذي تلعبه الشركة المصرية السودانية على سبيل المثال لا الحصر في مسألة تحقيق الأمن الغذائي عبر توفير احتياجات المجمعات الاستهلاكية من اللحوم الحمراء من عدة مناشئ إفريقية، وأهمها السودان والصومال خلال الأعوام السابقة.

فيما يؤكد وزير الزراعة واستصلاح الأراضي علاء فاروق لـ المنصة أن الوزارة تعمل على تنفيذ حصر شامل للأراضي والأصول غير المستغلة، ومن ثم تحديد الفرص الاستثمارية المتاحة لتكون جاهزة للعرض على القطاع الخاص المحلي والمستثمرين العرب.

وينوه فاروق لأن المؤشرات الأولية لعمليات الحصر تشير لوجود أراضٍ زراعية متاحة للاستثمار في محافظة الوادي الجديد ومنطقتي توشكى وشرق العوينات.

وتوقع وزير الزراعة أن تنتهي الوزارة من عمليات الحصر خلال العام الحالي، ومن ثم عرض الفرص المتاحة أمام المستثمرين بداية العام المقبل.

رخص ذهبية وحوافز جديدة 

على صعيد تيسير الإجراءات، تعمل هيئة الاستثمار في الوقت الحالي على تقديم حوافز مثل إنهاء إجراءات التأسيس عبر "موافقة واحدة"، التي يطلق عليها "الرخصة الذهبية"، والتي تهدف لمنح المستثمر موافقة واحدة  على إجراءات تأسيس المشروعات تشمل تخصيص قطعة الأرض حتى مزاولة النشاط وتتضمن كل تراخيص البناء والبيئة والحماية المدنية حسب كل نشاط.

يقول رئيس الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة حسام هيبة لـ المنصة إن الهيئة تركز على تقديم الحوافز لتنشيط القطاعات الهادفة للتصدير والقادرة على جذب النقد الأجنبي، سواء الخدمية أو الزراعية أو الصناعية.

الصناعة تحوز 30 من الفرص الاستثمارية الجديدة

ويضيف هيبة أن "الهيئة بدأت في إصدار حوافز متخصصة في قطاعات بعينها مثل الاستثمارات الخضراء والصناعة والتطوير العقاري والسياحة".

يرى هيبة أن السوق المصرية كبيرة وضخمة وجاذبة للاستثمارات،  لا سيما العربية، ومن آخرها مشروع فندقي في محافظة سوهاج باستثمارات مصرية كويتية يجري العمل على تنفيذه خلال الفترة الحالية.

55% من الفرص الجديدة كاملة المرافق

أنظمة التعاقد في الفرص الاستثمارية الجديدة

 

الأثر التنموي للاستثمارات العربية 

لا يجب أن نركز على جذب الأموال فقط، كما ينصحنا أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية في مصر والباحث الاقتصادي عمرو عادلي، إذ يشير لضرورة تقصي الأثر التنموي لهذه الاستثمارات.

ويشير عادلي إلى أن من أبرز سلبيات الاستثمارات الخليجية في السوق المحلية أن جزءًا كبيرًا منها يقع في نطاق الأنشطة الخدمية، وبالتالي لا تعمل على تشغيل قطاعات ونشاطات أخرى.

ويضيف أن القطاع العقاري، وإن كان أقل إسهامًا في التنمية من الصناعة، لكنه يعمل على تشغيل عدد من القطاعات المحلية مثل مواد بناء.

فهل تحقق الاستثمارات العربية في مصر قمة تاريخية جديدة خلال الأعوام القليلة المقبلة، في ظل توجه الحكومة نحو مزيد من الخصخصة تلبيةً لمطالب صندوق النقد، أم تبقى الفرص الحكومية المتاحة حاليًا غير جاذبة للشهية العربية، خاصةً مع استمرار قيمة الجنيه في التراجع خلال الفترة الماضية؟


هذا التقرير أُنجر ضمن دورة "صحافة البيانات والمحتوى المبني على الدليل" بالتعاون بين نقابة الصحفيين المصرية ومؤسسة محمد حسنين هيكل