مع التقلبات العنيفة لسعر صرف الدولار في مصر، اتجهت شركات عقارية لربط قيمة الدفعات المستحقة على مشتري العقار بالدولار، واستفادت شركات أخرى من فسخ العقود التي تم توقعيها بناء على أسعار ما قبل التعويمات الأخيرة.
ولكن ما الحلول التي لجأت إليها الشركات العقارية لتخفيف خسائرها من ارتفاع قيمة الدولار، وكيف أضرت بمصالح المستهلكين؟
الدولار يحكم
في سبتمبر/أيلول الماضي طرحت شركة سوديك العقارية إعلانًا لبيع وحدات ضمن مشروعاتها بشرق وغرب القاهرة بالدولار الأمريكي، وهو ما أثار جدلًا واسعًا لأن القانون يُجرم بيع أي سلعة بالعملات الأجنبية داخل البلاد، وتداركت سوديك الأمر قائلة إن الإعلان كان موجهًا للأجانب والمصريين في الخارج.
ويفرض قانون البنك المركزي عقوبات بالحبس والغرامة على من يُجرون معاملات تجارية بالنقد الأجنبية داخل مصر، في محاولة للحد من ممارسات الدولرة، أي الإقبال على اكتناز الدولار والتخلص من الجنيه.
لكن هذه العقوبات لم تمنع شركات أخرى من إيجاد حلول أكثر مرونة لجعل سعر العقار مرتبطًا بالتغيرات السريعة التي جرت على سعر الصرف، حيث تم تخفيض الجنيه بقوة ثلاث مرات منذ مارس/آذار 2022.
على سبيل المثال، اتجهت مجموعة أوراسكوم للتنمية لربط أسعار وحداتها المعروضة في مشروعاتها بالبحر الأحمر بالدولار الأمريكي، يعني ذلك أن العميل سيسدد الأقساط المستحقة عليه بالجنيه ولكن قيمة هذه المستحقات سترتفع كلما انخفض الجنيه أمام العملة الأمريكية.
وتُسعِّر أوراسكوم عقاراتها في الوقت الحالي على أساس السعر الرسمي للدولار، وهو نحو 31 جنيهًا، ولكن فى حالة أي ارتفاعات جديدة لقيمة الدولار مقابل الجنيه سيتم تحميل تكلفة إضافية للعملاء حتى سعر 35 جنيهًا للدولار بحد أقصى، وإذا تجاوز سعر الدولار هذه القيمة في البنوك لن يحمل العملاء أي تكلفة إضافية، لأن سقف سعر الدولار المحدد فى العقود هو 35 جنيهًا، بحسب ما قاله الرئيس التنفيذي لـ مكادي هايتس وOWest المملوكتين لأوراسكوم، تامر دويدار، للمنصة.
وهو نفس ما فعلته شركة إعمار الإماراتية، التي تطالب الحاجزين بسداد قيمة وحداتهم بسعر متر مقوَّم بالدولار وفقًا لسعره في البنوك وقت سداد الدفعات والأقساط المستحقة، وبذلك تؤمن إعمار نفسها من مخاطر ارتفاع العملة الأمريكية حتى إذا وصلت 40 جنيهًا.
"الربط بين سعر البيع وسعر صرف عملة أجنبية مثل الدولار أمر لا يناسب السوق العقاري المصري، ولا يلقي إجماعًا من العاملين بالقطاع، نظرًا لأثره السلبي على الاقتصاد"، كما قال الرئيس التنفيذي لشركة تطوير مصر العقارية، أحمد شلبي، على هامش مشاركته في مؤتمر الأهرام العقاري.
بينما اعتبر مطور عقاري، طلب عدم ذكر اسمه، في حديث مع المنصة، أن البيع بالدولار أمر طبيعي في ظل عدم استقرار قيمة الجنيه "نحن لا نشترط أن يتم السداد بالدولار لكن بقيمته الفعلية وقت سداد الأقساط لأن الخامات ترتفع بصورة كبيرة".
ويرى المطور إن الشركات العقارية تقع ضحية لتجار المواد الخام ويحتاجون لآليات لحماية أرباحهم "هناك مبالغة في التسعير لكل الخامات حتى محلية الصنع منها".
وكانت مجموعة من المطورين العقاريين طالبت مؤخرًا بإيجاد آلية لربط قيمة تعاقدات الوحدات العقارية خلال فترة سدادها بأسعار سلة من مواد البناء.
استعادة العقار عن طريق الإلغاء
خلال الشهر الجاري أعلنت شركة سوديك عن إحصاءات لافتة، إذ قالت إنها ألغت تعاقدات خلال الربع الأول من العام الجاري في مشروعاتها بشرق وغرب القاهرة، بنسبة 21% من إجمالي تعاقدات هذه المشروعات، مقارنة بـ 10% في العام السابق.
ولم تعلن سوديك عن أسباب زيادة معدلات الإلغاء، لكن محلل قطاع العقارات فى شركة العربي الإفريقي الدولي لتداول الأوراق المالية، محمود جاد، يرى أن هذه الإلغاءات تمثل فرصة أمام الشركات لكي تتحرر من اتفاقاتها السابقة، بعد التعويمات الأخيرة وتآكل القيمة الحقيقية لهذه العقود.
ويوضح جاد للمنصة، أنه في أوقات استقرار الأسعار عادة ما يتم تطبيق إلغاء تعاقدات العملاء المتعثرين على نطاق ضيق مع منح تسهيلات في السداد قدر الإمكان، ولكن في الوقت الراهن تجد الشركات حافزًا على التوسع في الإلغاءات للتخلص من التعاقدات القديمة المسعرة على أساس قيمة الجنيه قبل التعويمات الأخيرة.
ويشير جاد إلى أن هذا الاتجاه جاء مدفوعًا بـ "الارتفاع الكبير فى التكلفة، ليس فقط بالنسبة لمواد البناء ولكن أسعار الفائدة أيضًا، خاصة أن المطور يموِّل الوحدات لمدة طويلة حتى يستكمل العملاء سداد الأقساط".
حلول بديلة غير مضرة بالمستهلكين
يرى المطور العقاري عمر الطيبي أن انتشار ممارسات الشركات العقارية للتحوط من ارتفاع سعر صرف الدولار هو نتيجة لنمط التطوير العقاري في مصر خلال العقود الأخيرة، الذي اعتمد بكثافة على إبرام عقود تنفيذ للمشروعات لمدد تتجاوز العشر سنوات.
وأقبلت الشركات العقارية على العقود الطويلة مؤخرًا كطريقة لتقسيط قيمة العقارات على آجال طويلة تناسب مستويات دخول العملاء، في ظل عجز أدوات التمويل العقاري التقليدية.
لكن هذه الطريقة، التي ازدهرت خلال سنوات استقرار سعر صرف الدولار، سرعان ما تحولت إلى مشكلة في ظل التقلبات العنيفة لسوق الصرف منذ 2022.
"الحل الأمثل للتحوط من مخاطر سعر الصرف هو سرعة تنفيذ المشروعات، وعمل مراحل أصغر للبيع بكل المشروعات، مع تقديم الدولة لحوافز إضافية مالية وضريبية للمطورين"، بحسب الطيبي.
ويتفق الرئيس التنفيذي لشركة مباني إدريس، محمد إدريس، مع الرأي السابق "على المطور أن يبدأ في التنفيذ بشكل سريع ليتمكن من تنفيذ أعلى نسبة متاحة من المشروع قبل بيعه بالكامل، وعند إتمام نسب معقولة يتم بيع مرحلة جديدة، وهكذا حتى يحقق المطور نسبة تنفيذ جيدة ويتغلب على احتمالات زيادة الأسعار واحتمالات تعثره".
ويدعو إدريس لأن تعود البنوك إلى تمويل الوحدات السكنية تحت الإنشاء، وهي الممارسات التي حُظرتْ منذ الأزمة المالية العالمية.
تتلخص الحلول المطروحة لتخفيف أثر التعويم على المطورين في تقصير مدد التعاقد مع العملاء، وهو أمر يصعب تنفيذه في ظل اعتماد المطورين على العقود طويلة الأجل كطريقة لتقسيط التكلفة على المتعاقدين، لذا على الأرجح سيظل القطاع العقاري ومعه مصالح المشترين رهينة في يد تقلبات سعر الصرف.