تصميم أحمد بلال
رئيس الوزراء مصطفى مدبولي ووزير الصحة خالد عبد الغفار ورئيس جمعية مدينة نصر ومساعد وزير الصحة أحمد سعفان

تضارب مصالح.. "مساعد وزير الصحة" يؤجر مستشفى مبرة المعادي لـ"جمعيته الخاصة"

منشور الثلاثاء 31 ديسمبر 2024

 

في 13 مارس/آذار الماضي، أسند مجلس الوزراء بالأمر المباشر إدارة واستغلال وتشغيل مستشفى مبرَّة المعادي، إلى "جمعية مدينة نصر للتنمية والرعاية الاجتماعية"، وهو اسمٌ جديدٌ لجمعيةٍ كان اسمها في السابق "رابعة العدوية"، قررت لجنة حصر وإدارة أموال الإخوان التحفظ على أموالها عام 2015، ويتولى إدارتها مساعد وزير الصحة لشؤون المستشفيات أحمد سعفان، الذي كان عند اتخاذ قرار الحكومة بالإسناد، رئيسَ القطاع العلاجي في وزارة الصحة، التابع له جميع المستشفيات الحكومية.

قبل ذلك بنحو سنةٍ وبضعة أشهر، تقدمت جمعية مدينة نصر بعرض لتشغيل المبرَّة لمدة عشر سنوات مقابل 6% من الإيرادات، بحدٍّ أدنى ثلاثة ملايين جنيه سنويًا، على أن تضخَّ 90 مليون جنيه على شكل استثمارات في المستشفى؛ 40 منها في سنة التعاقد الأولى، والـ50 مليونًا المتبقية على مدار السنوات التسع التالية.

وبينما برر وزير الصحة خالد عبد الغفار قرار الإسناد بالسعي إلى تحويل المبرة من منشأة خاسرة إلى رابحة، توثِّق المنصة في هذا التحقيق حالةَ تضاربِ مصالح مساعد وزير الصحة، ومخالفةً لقانون إدارة الكيانات الإرهابية المتحفظ على أموالها، وكذلك أن الصفقة التي ستكون رابحةً بالنسبة لجمعية مدينة نصر ورئيسها مساعد الوزير، لن تكون كذلك بالنسبة للمؤسسة العلاجية، ولا لنصف العاملين في المستشفى، وذلك استنادًا إلى مستندات رسمية حصل عليها مُعدَّا التحقيق، هي؛ العرض المقدَّم من الجمعية، ومذكرة المؤسسة العلاجية إلى وزارة الصحة ردًا عليه، وتفاصيل الاستثمارات السنوية للمستشفى، وإيراداته ومصروفاته.

ثوب جديد لرابعة العدوية 

تُقدَّر مساحة مستشفى مبرَّة المعادي، الذي تشرف عليه للمؤسسة العلاجية، بنحو فدانين، يَضمَّان مبانٍ بمساحة إجمالية تبلغ 2321 مترًا مربعًا، يطوِّقها سور منخفض تُظلِّله الأشجار في شارع 6 الهادئ، بالقرب من محطة مترو ثكنات المعادي. والمؤسسة العلاجية هي هيئة اقتصادية تابعة لوزارة الصحة تأسست عام 1964 لتقدِّم خدماتها للطبقة الوسطى بأسعار مناسبة تُمكِّنها من الربح.

العرض المقدم من جمعية مدينة نصر للتنمية والرعاية الاجتماعية إلى وزارة الصحة لتشغيل وإدارة مستشفى مبرة المعادي

ووِفق مجلس الوزراء، واستمارة تعريف المستشفى على موقع وزارة الصحة، فإن المبرَّة يقدم خدماتٍ طبيةً شاملةً؛ بطاقةٍ استيعابيةٍ تبلغ 116 سريرًا، و13 عيادة متخصصة تستقبل نحو 60 ألف مواطن سنويًا، بكشفٍ تبلغ قيمته 80 جنيهًا للأخصائي و120 جنيهًا للاستشاري، فيما يُعالَج نحو ألف شخص على نفقة الدولة. ويُجري المستشفى في المتوسط نحو 30 عملية جراحية يوميًا في عدة تخصصات، أي 11 ألف عملية سنويًا.

وفق العرض الذي تقدمت به لوزارة الصحة من أجل إدارة المبرَّة، فإن جميعة مدينة نصر للتنمية والرعاية الاجتماعية مشهرة في وزارة التضامن الاجتماعي برقم 3990 لسنة 1993، وهو نفس رقم إشهار جمعية اسمها رابعة العدوية، كانت مسؤولة عن إدارة مركز رابعة العدوية الطبي سابقًا، الذي يُعرف حاليًا بمستشفى مدينة نصر التخصصي.

في 2015، قررت لجنة حصر وإدارة أموال الإخوان، برئاسة المستشار عزت خميس مساعد أول وزير العدل، التحفظ على جميع ممتلكات الجمعية الطبية برابعة العدوية، التي تتبعها ثلاثة مستشفيات هي مركز رابعة العدوية، وفرع آخر له في شارع مصطفى النحاس، وفرع في التجمع الثالث. ليتغير اسمها فيما بعد.

ووفقًا لقانون تنظيم إجراءات التحفظ والإدارة والتصرف في أموال الكيانات الإرهابية رقم 22 لسنة 2018، تُعيِّن اللجنة من تراه من الخبراء المتخصصين لإدارة الأموال، وتُضاف مصاريف الإدارة إلى المال محل الإدارة، وتحدِّد حقوق القائمين على الإدارة بموجب قرار من اللجنة.

قبل ترؤسه القطاع العلاجي في وزارة الصحة، عُيِّن أحمد سعفان، من قبل اللجنة، رئيسًا أو نائبَ رئيسٍ في مجالس إدارة ثلاث جمعيات الأهلية هي؛ الجمعية الطبية الإسلامية التي يتبعها 30 مستشفىً ومستوصفًا في سبع محافظات، والجمعية الشرعية في مصر الجديدة، وابن النفيس في طنطا، وجميعها مُتحفُّظ عليها باعتبارها من أموال جماعة الإخوان المسلمين.

ولأن قاعدة بيانات الجمعيات الأهلية التابعة لوزارة التضامن الاجتماعي لا تتضمن أي بيانات عن جمعية مدينة نصر سواء بمُسمَّاها الجديد أو القديم؛ قدَّم مُعدَّا التحقيق طلبًا للوزارة من أجل الحصول على بيانات أعضاء مجلس إدارتها. في البداية أبدى المختصون بنظر الطلب تعاونًا؛ غير أنهم اعتذروا بعد أسبوع عن عدم إمكانية تقديم أي معلومات.

لكنَّ صفحة مستشفى مدينة نصر التخصصي نشرت على فيسبوك في فبراير/شباط الماضي، فيديو لحفل توزيع قرعة عمرة مجانية، تضمَّن أسماء عددٍ من أعضاء مجلس إدارة الجمعية، وثقت المنصة ثلاثة منهم وهم؛ علاء ثابت رئيس تحرير جريدة الأهرام، واللواء حمزة درويش رئيس قطاع شؤون مكتب وزير التنمية المحلية، وهو أيضًا مؤسس الاتحاد المصري للتنمية والحماية الاجتماعية الذي يرتبط بمجموعة من النشاطات والتعاقدات مع وزارت مثل الشباب والرياضة والتضامن الاجتماعي، واللواء أشرف خيري مساعد وزير الصحة للشؤون المالية والإدارية الأسبق.

من أين جاءت الـ40 مليون؟

في 24 ديسمبر/كانون الأول 2023، وجَّه الدكتور محمد الطيب مساعد وزير الصحة للحوكمة والشؤون الفنية، خطابًا إلى الدكتور أحمد فرغلي رئيس مجلس إدارة المؤسسة العلاجية، بشأن استيفاء بعض الإجراءات الخاصة بدراسة العروض المقدَّمة لإدارة المبرَّة، جاء فيه؛ "في حالة الترسية على جمعية مدينة نصر للتنمية والرعاية الاجتماعية يتم العرض على لجنة التحفظ والحصر والإدارة والتصرف في أموال الجماعات الإرهابية والإرهابيين". 

خطاب من مساعد وزير الصحة للحوكمة والشؤون الفنية إلى رئيس المؤسسة العلاجية السابق أحمد فرغلي

يتطلب قانون التحفظ على أموال الكيانات الإرهابية رقم 22 لسنة 2018 موافقة لجنة التحفظ على "أي قرارات استثمارية" ترغب إدارة أي كيان متحفِّظ عليه في اتخاذها. وهذه الموافقة ينبغي أن تكون سابقة على اتخاذ أي خطوة، بما فيها تقديم أي عروض أو التعهد بأي التزامات.

لكن وفق خطاب مساعد الوزير للحوكمة، الذي حصلت المنصة على صورة منه، فإن العرض سيتم فقط في حال الترسية على جمعية مدينة نصر، وهو ما يعني أن إجراءات تقديم الجمعية للعرض، ثم مناقشته في مجلس الوزراء والموافقة عليه، حدثت قبل العرض على لجنة التحفظ.

ووفقًا لمصدر قضائي، تحدث إلى المنصة طالبًا عدم نشر اسمه، فإن ما حدث من استثمار لجمعية مدينة نصر يخالف قانون التحفظ على أموال الكيانات الإرهابية، موضحًا أن "فحوى قانون رقم 22 لسنة 2018 الحفاظ على أموال الكيانات المتحفظ عليها، مع ضمان استردادها حالة حصول المتهم على البراءة تجنبًا لتحميل الدولة أي تعويضات مستقبلية"، حال الإقدام على استثمارات خاسرة.

يتفق مع هذا الرأي الخبير الاقتصادي وائل النحاس، الذي ذكَّر أثناء حديثه إلى المنصة بواحدة من أبرز تطبيقات هذا القانون، عندما استعاد صفوان ثابت، المالك الرئيسي لشركة آمون، أمواله كاملةً عقب براءته. ويشرح "لا يجوز للحارس القضائي اتخاذ قرارات استثمارية دون موافقة الجهات المعنية من لجنة التحفظ".

بالنسبة للنحاس، فإن التقدم بعرض إدارة المبرَّة والالتزام بضخِّ استثمارات فيه يُعدُّ مُضيًّا في إجراءات استثمارية تتطلب موافقة مسبقة من لجنة التحفظ، وتساءل "من أين أتت الجمعية بالـ40 مليون الاستثمار الخاصة بالسنة الأولى؟".

تضارب مصالح بالأمر المباشر

في كل الأحوال، ورغم غياب موافقة لجنة التحفظ، مضت الجهات الحكومية في مجلس الوزراء ووزارة الصحة تبحث العرض المقدم من جمعية مدينة نصر، ثم قبلته استنادًا إلى المادة 76 من قانون تعاقدات الجهات العامة رقم 182 لسنة 2018، التي تسمح لمجلس الوزراء بالترخيص لجهة إدارية بعينها التعاقد المباشر مع الشخص الطبيعي أو الاعتباري حال تقدمها بمشروع استثماري متكامل يشمل التمويل، إذا كان هذا المشروع يحقق للجهة الإدارية الأهداف الاقتصادية والتنموية للدولة. 

تمّت هذه الموافقة قبل أن يُقرُّ مجلس النواب في مايو/أيار الماضي قانون تنظيم منح التزام المرافق العامة لإنشاء وإدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية، والذي أصبح ساريًا منذ تصديق رئيس الجمهورية عليه في 24 يونيو/حزيران الماضي.

يخالف هذا الإسناد قانون حظر تعارض المصالح رقم 106 لسنة 2013. فعندما أصدر مجلس الوزراء موافقته على الصفقة، كان أحمد سعفان رئيسَ القطاع العلاجي في وزارة الصحة، الذي تتبعه جميع المستشفيات الحكومية، هو في الوقت نفسه رئيس مجلس إدارة جمعية مدينة نصر.


تنص المادة 11 من القانون أنه يحظر على المسؤول الحكومي تقديم الخدمات الاستشارية، سواء مدفوعة الأجر أو غير مدفوعة.

وتوضح المادة 15 أنه حتى بعد ترك المسؤول الحكومي منصبه، يُحظر عليه لمدة ستة أشهر تولّي وظائف أو تقديم استشارات لجهات كانت تحت إشرافه أو مرتبطة بعمله السابق، أو الاستثمار في تلك المجالات، أو استغلال معلومات من منصبه السابق. وفي حالة مبرة المعادي، يشغل المسؤول منصب مساعد وزير الصحة، وفي الوقت ذاته يرأس الجمعية التي ستدير المستشفى الحكومي.


ومعنى تضارب المصالح أن يكون للمسؤول الحكومي، أو لشخص تربطه به قرابة حتى الدرجة الرابعة، مصلحة مادية أو معنوية تتعارض تعارضًا مطلقًا أو نسبيًا مع ما يتطلبه منصبه أو وظيفته من نزاهة واستقلال وحفاظ على المال العام، أو تكون سببًا لكسب غير مشروع لنفسه أو للشخص المرتبط به. 

وينص القانون في مادته الثالثة على أنه في حال وجود تعارض مطلق يترتب عليه ضرر مباشر للمصلحة أو الوظيفة العامة يتعين على المسؤول الحكومي إزالة هذا التعارض إما بالتنازل عن المصلحة أو ترك المنصب أو الوظيفة العامة. أما في حالة التعارض النسبي فيلتزم المسؤول بالإفصاح عن هذا التعارض واتخاذ الإجراءات اللازمة دون وقوع ضرر.

لا يوضح القانون آلية الإفصاح التي يُلزم بها المسؤول الحكومي في حالة التضارب النسبي، لكنه ينص على تشكيل لجنة للوقاية من الفساد، تختص بتطبيق أحكامه وتحديد ما يُعتبر تضاربًا مطلقًا أو نسبيًا للمصالح، ويصدر بتشكيلها قرار جمهوري، لم يُصدِره الرئيس عبد الفتاح السيسي حتى الآن.

مذكرة عرض مقدمة من المؤسسة العلاجية لمجلس الوزراء

يرى الدكتور حازم الفيل رئيس مجلس إدارة المؤسسة العلاجية السابق ورئيس قطاع الرعاية العلاجية الأسبق في وزارة الصحة، بدوره أن "عملية التأجير بها تضارب مصالح، فرغم أن الوظائف العمومية تشترط التفرغ، لكن لدينا هنا مسؤول حكومي كبير يرأس جمعيةً عملها بتصل مباشرة بالحكومة". برأيه، يعكس ذلك "تضاربًا للمصالح بشكل واضح"، وفق ما أكد لـ المنصة.

أما الدكتور أحمد حسين، عضو مجلس نقابة الأطباء السابق، فيرى إلى جانب تضارب المصالح "استغلالًا للسلطة"، بما أن سعفان كان يشغل منصبًا "قياديًا تنفيذيًا" في الوزارة أثناء إقرار الصفقة. وأكد حسين في حديثه إلى المنصة، على ضرورة مراعاة الشفافية والعدالة عند طرح المستشفى خارج الإطار الحكومي، كونه مُنشأة عامة.

من جانبه، ينوَّه مصدر طبي يشغل منصبًا قياديًا في إدارة المؤسسة العلاجية، تحدث إلى المنصة طالبًا عدم نشر اسمه، بأن العرض الذي قدمته الجمعية يخلو من أي آلية رقابية تضمن تنفيذ ما جاء فيه "سوى تقرير كل ثلاثة شهور يقدمه رئيس الجمعية لنفسه في وزارة الصحة"، رغم أن المبرَّة تخضع للعديد من الجهات الرقابية بدءًا من رئاسة المؤسسة العلاجية انتهاء بوزارة المالية والجهاز المركزي للمحاسبات والجهاز المركزي للتنظيم والإدارة.

خسائر مُتخيَّلة

من زيارة وزير الصحة لمستشفى مبرة المعادي في ديسمبر 2023

بالعودة إلى المادة 76 من قانون تعاقدات الجهات العامة التي جرى إسناد المبرَّة لجمعية مدينة نصر وفقًا لها، سنجد شرطًا واجبًا ليصح قرار الإسناد بالأمر المباشر؛ وهو أن "يحقق المشروع للجهة الإدارية الأهداف الاقتصادية والتنموية للدولة".

هذه الأهداف، فيما يخص مبرَّة المعادي، هي تحويله من منشأة خاسرة إلى منشأة رابحة، حسب تصريحات أدلى بها وزير الصحة خالد عبد الغفار عند زيارته المستشفى بعد نحو أسبوعين من قرار الحكومة بالإسناد.

ونوَّه الوزير، في معرض تبريره لقرار طرح المستشفى للقطاع الخاص، إلى أن مستشفيات المؤسسة العلاجية تتلقى دعمًا من الموازنة العامة يبلغ 60 مليون جنيه لتعويض رواتب العاملين، فضلًا عن تبرعات المجتمع المدني لتعويض المستلزمات والأدوية. ثم كرر الوزير نفس المضمون في تصريحات لاحقة أدلى بها في يوليو/تموز الماضي.

لكنَّ تصريحات الوزير بشأن خسائر المستشفى تتعارض مع ما جاء في مذكرة العرض التي وجَّهتها المؤسسة العلاجية إلى مجلس الوزراء ووزارة الصحة في مارس 2023، لإبداء رأيها في عرض الجمعية حسبما تقتضي الإجراءات، وحصلت المنصة على نسخة منها، بأن المستشفى يموَّل ذاتيًا مع باقي مستشفيات المؤسسة، ولا يُحمِّل الموازنة العامة أي عبء مالي سوى نصيبه من منحة العلاج لحالات الطوارئ والحوادث بالمجان لمدة 48 ساعة، والبالغة 50 مليون جنيه تُقسَّم على مستشفيات المؤسسة الثمانية، طبقًا لقرار رئيس مجلس الوزراء 1063 لسنة 2014.

وتشير بيانات قائمة الدخل الخاصة بالمؤسسة العلاجية الصادرة عن وزارة المالية، أنها حققت صافي أرباح قبل خصم الفوائد بنحو 646.2 مليون جنيه في عام 2022/2023. وبلغت إيرادات المبرَّة في الفترة من 2019 إلى 2022، نحو 267 مليون جنيه، بمتوسط سنوي 61 مليونًا. كما حقق بين عامي 2018 و2022 صافي أرباح 31 مليون جنيه.

كما أعلن المتحدث باسم الوزارة حسام عبد الغفار، في مايو الماضي، توفير عشر قطع أراضٍ بمساحات مختلفة في عشر محافظات، من أجل استخدامها في اتفاق شراكة لتنفيذ مشروعات صحية، تدرس الحكومة إتمامه مع كلٍّ من مبرَّة المعادي، ومعهد "جوستاف روسي" الفرنسي لأبحاث وعلاج الأورام، الذي وافق له مجلس الوزراء في مارس الماضي على استغلال وتشغيل مركز أورام دار السلام (هرمل).

..وخسائر متوقعة

مذكرة العرض التي قدمتها مستشفى مبرة المعادي لوزارة الصحة

في مذكرة المؤسسة العلاجية أيضًا، تأكيد على أن العرض لا يحقق للمؤسسة أي منافع اقتصادية أو ربحية. ففضلًا عن أن المستشفى يحقق أرباحًا، يتجاهل العقد معدل إهلاك الأجهزة الطبية وغير الطبية الموجودة، ويخلو من أي نصٍّ يُلزم الجمعية بتسليم المستشفى بعد عشر سنوات بلا أي التزامات مادية أو مديونيات ترتبت عليه خلال تلك المدة.

ويوضح المصدر في المؤسسة العلاجية لـ المنصة، أن إدارة المؤسسة العلاجية والمستشفى يضخان في الوقت الراهن حوالي عشرين مليون جنيه سنويًا لتحسين البنية التحتية والأجهزة الطبية. لافتًا إلى أن معدل الإهلاك بالنسبة للأجهزة الطبية يصل إلى نحو 10% سنويًا، "ما يعني أن قيمة هذه الأجهزة بعد عشر سنوات تصبح لا شيء".

وتتجاوز قيمة الأجهزة الطبية وغير الطبية في المبرَّة 1.5 مليار جنيه، بينما يبلغ إجمالي أصول المستشفى نحو ثلاثة مليارات، وفق ما ذكره الفيل لـ المنصة

لم تتمكن المنصة من الوصول إلى قوائم مالية بالاستثمارات التي ضختها إدارة مبرة المعادي، باستثناء ما جاء في المذكرة التي أرسلتها المؤسسة العلاجية لمجلس الوزراء، والتي جاء فيها أن حجم الاستثمارات السنوية في المستشفى 20 مليون جنيه سنويًا. وهذه نقطة أخرى تُثير قلق المؤسسة العلاجية، إذ وعدت الجمعية بضخ تسعة ملايين جنيه استثمارات سنوية في المستشفى، وهذا رقم أقل من الحالي.

كما تكشف مراجعة أرشيف الصحف خلال السنوات العشر الماضية، أن إدارة مبرَّة المعادي ضخَّت استثمارات مليونية أخرى عدة مرات، أبرزها افتتاح وتجديد خمس غرف عمليات وغرفة إفاقة بتكلفة ثلاثة ملايين عام 2017، وتطوير غرف العمليات الخمسة في المستشفى بخمسة ملايين عام 2019، بالإضافة إلى افتتاح وحدة عناية مُركَّزة للأطفال تحتوي على 11 سريرًا وأربع غرف، بخمسة ملايين جنيه، عام 2020.

نصف العمال بلا حقوق

من تقرير زيارة وفد جمعية مدينة نصر لمستشفى مدينة نصر لتقييم مستشفى مبرة المعادي

تقول بيانات قائمة الدخل الخاصة بالمؤسسة العلاجية الصادرة عن وزارة المالية، إن نسبة ما يتقاضاه العاملون في المؤسسة العلاجية من إجمالي أرباحها الصافية البالغة 642 مليون جنيه، لا يصل لـ 1%. لكن رغم ذلك، لم تلزم جمعية مدينة نصر نفسها في العرض المقدم إلا بنحو 50% من العمالة الموجودة في المستشفى، بعد إجراء عملية تقييم تنتهي بإجبار النصف الآخر من العمالة على الانتقال لمستشفيات أخرى تابعة للمؤسسة. 

لذلك تحتج اللجنة القانونية بالمؤسسة العلاجية على هذه النقطة في مذكرة العرض، بتأكيدها على أن العرض يضيف أعباءً جديدة عليها، ذلك أنه يُلزمها بدفع رواتب 50% من العاملين الذين سيتم نقلهم من مبرَّة المعادي إلى مستشفيات أخرى، بالإضافة إلى مكافآت نهاية الخدمة لهؤلاء.

كما أن المؤسسة العلاجية لن تستفيد من العرض، لأن وزارة الصحة هي التي ستحصل على قيمة الإيجار، على الرغم من أن المبرة من أفضل مستشفيات المؤسسة العلاجية، حسب المذكرة.

لذلك، فإن عرض جمعية مدينة نصر يُخالف المادة 19 من قانون تنظيم مشاركة القطاع الخاص في مشروعات البنية الأساسية والمرافق، رقم 153 لسنة 2021، التي تنص على أن يخضع التعاقد على المشروعات التي تنفذ بنظام المشاركة لمبادئ التوازن الاقتصادي والمالي والمكاسب المشتركة لأطرافه، وفقًا لمذكرة اللجنة القانونية التي تطالب بضمان سداد المديونيات التي تقع على عاتق المؤسسة العلاجية جراء نقل العاملين إليها أو المديونيات التي كانت على المستشفى.

كيف أُغرقت المؤسسة العلاجية في الديون؟

عندما تأسست المؤسسة العلاجية عام 1964، بدأت بمستشفيات الإرساليات الأجنبية التي أممتها قرارات عبد الناصر عام 1961، وكانت تعود للإرساليات اليونانية والإيطالية والمستشفى القبطي، بالإضافة لمستشفيي العجوزة وجمال (المواساة بالإسكندرية)، وفقًا لرئيس لجنة الدفاع عن الحق في الصحة الدكتور محمد حسن خليل لـ المنصة.

ومنذ ذلك الوقت، تعمل المؤسسة كهيئة اقتصادية مستقلة "لا تأخذ نفقات من الحكومة ولا تستخدم المحاسبة الحكومية" حسبما قال رئيس مجلس إدارتها السابق حازم الفيل لـ المنصة.

ويؤكد الفيل أن المؤسسة حققت أرباحًا، علاوة على حصولها على منحٍ وقروضٍ مكَّنتها من بناء معهد ناصر ومستشفى الهرم التخصصي، بالإضافة لأنها تملك مستشفيات العجوزة والهلال ودار الشفاء والجمهورية.

ويفسِّر تراكم مديونية المؤسسة العلاجية حتى وصلت في نهاية عام 2023 إلى 3.7 مليار جنيه بأنها ناتجة عن قروض حصلت عليها لتستثمرها في إنشاء عدد من المستشفيات، قررت الحكومة في وقت لاحق نقلها إلى وزارة الصحة، لكن دون المديونات التي واصلت المؤسسة تحملها.

ويوضح الفيل أن رؤساء المؤسسة المتعاقبين خاطبوا وزارة المالية بشأن استكمال الدولة سداد المديونات، باعتبار أن ما تسبب فيها آل إلى الدولة. 

لمنحه الحق في التعقيب والتوضيح، حاولت المنصة على مدار أكثر من 3 أشهر التواصل مع أحمد سعفان، مساعد وزير الصحة ورئيس مجلس إدارة الجمعية، هاتفيًا وعبر واتساب، ولم يستجب.

كذلك رفض رئيس مجلس إدارة المؤسسة العلاجية محمد شويقر، وسلفه أحمد فرغلي، التعليق، واكتفيا بإجابة مكررة؛ "اسألوا وزارة الصحة".

توجهت المنصة بأسئلتها إلى الوزارة، التي اكتفى المتحدث باسمها حسام عبد الغفار بتعليق مقتضب قال فيه إن "الصفقة حاليًا في مجلس الدولة لمراجعة صياغة التعاقد، ولا توجد أي مشاكل بشأن العرض المالي".

وبينما تتحفظ الجهات الحكومية عن الرد والتوضيح، يلخِّص عضو مجلس النقابة السابق أحمد حسين أزمة مبرَّة المعادي بأنها "خسارة مستشفى حكومي يقدم خدمة طبية متميزة بأسعار في متناول المواطن، ولا تكلف الدولة أي شيء".