على الرغم من تشكيل وزارة الصحة مؤخرًا لجنةً لمراجعة أسعار الدواء كل ستة أشهر، بهدف تدارك أي تغيرات كبيرة تنتج عنها زيادة تكاليف الإنتاج على غرار ارتفاع الدولار، فإن صلاحيات هذه اللجنة محددة بنطاق تقديم الاستشارات، بينما يظل القرار النهائي لهيئة الدواء المصرية.
ويشكو مصنعو الدواء من تأخر الهيئة في إبداء الرأي بشأن مقترحاتهم لرفع سعر الدواء، والتفاوت في تقييمها لأسعار الأدوية رغم تشابه المواد الفعالة، ويقولون إن الهيئة لا تزال تعتمد على العنصر البشري بشكل أساسي في إبداء الرأي، بينما يمكنها أن تحقق استجابة أفضل وأسرع بالاعتماد على طرق إلكترونية أكثر عصرية.
القليل من الموظفين.. الكثير من طلبات التسعير
يحكي عضو شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية محمود فتوح عن إحدى تجاربه مع لجنة التسعير بهيئة الدواء، التي كانت تلاحقه فيها أزمات سعر الصرف والتضخم، ما كان يجعل سعر الأدوية التي تنتجها شركته لا يشمل سوى هامش ربح ضئيل أو حتى يقل عن التكلفة الفعلية.
"سنة 2022 حصلت على موافقة هيئة الدواء لإنتاج مضاد حيوي مثيل لكريم فيوسيدين، وقررت لجنة التسعير وقتها أن يكون سعره 15 جنيهًا، وهو ما يقل عن التكلفة الفعلية، وبعد تظلمين تم السماح برفع سعره في 2023 إلى 19 جنيهًا، وما إن بدأت في إنتاجه زاد التضخم مع أزمة الدولار فأصبح السعر غير واقعي. بعدها في 2024 تظلمت من جديد ولم ترد اللجنة إلا منذ شهر تقريبًا عندما سمحت لي برفع سعره إلى 29 جنيهًا لكن وقتها كانت التكلفة الفعلية وصلت إلى 27 جنيهًا"، يقول فتوح.
عدم مواكبة السعر المسموح به للتكلفة الفعلية دفع فتوح للحد من إنتاج الدواء، ويتسبب تكرار مثل هذه الحالات في شح الأدوية في السوق "لن أبدأ في إنتاج الدواء لحين الوصول لسعر عادل، لن أخسر رأسمالي".
يعد الدواء من المنتجات القليلة التي لم ترفع الدولة يدها عن تسعيرها جبريًّا، لكن في 2012 وضعت أسسًا للتسعير تتماشى مع السوق العالمية
ويرجع فتوح تباطؤ اللجنة إلى عدم التناسب بين الاعتماد على عدد محدود من موظفي لجنة التسعير مقابل "ما يزيد عن 17 ألف دواء في السوق المصرية، وكل منتِج يقوم بتقديم التظلم الخاص بدوائه إلى لجنة التسعير".
ويعد الدواء من المنتجات القليلة التي لم ترفع الدولة يدها عن تسعيرها جبريًّا، لكن في 2012 وضعت وزارة الصحة أسسًا لتسعير الدواء تتماشى مع الأسعار في السوق العالمية، في محاولة لإرضاء المصنعين والحد من أزمات شح الأدوية. إلا أن القرار النهائي للسعر يظل في يد هيئة الدواء المصرية، التي تأسست في 2019 وآلت إليها المسؤوليات الرقابية لهيئات وزارة الصحة على قطاع الدواء.
ويشير فتوح إلى أنه بينما تفرض الدولة هذه القيود على تسعير الأدوية، لا تُلزِم المصنِّعين بالتسعير الجبري للمكملات الغذائية "هناك هروب جماعي من المصنعين نحو المكملات الغذائية لأنهم يستطيعون تغيير سعرها مع تغير سعر الصرف".
تفاوتات كبيرة في الأسعار بين الأدوية المتشابهة
"هناك مئات من التظلمات التي تستمر لمدد تصل إلى 7 سنوات حتى يتم الوصول إلى تسعير عادل للأدوية التي تنتجها"، كما يقول محمد شرف استشاري التصنيع الدوائي الدولي لـ المنصة.
بجانب مشكلة التأخر في البت، يشير شرف إلى تفاوتات كبيرة في تسعير الأدوية الأصلية مقارنة بالمثيلة، بل وبين الأدوية المثيلة نفسها "تجد مثيلًا بسعر 80 جنيهًا، وآخر بـ50 جنيهًا، وثالثًا بـ40 جنيهًا، رغم أن المادة الفعالة واحدة ولا فارق إلا في الشركات المنتجة" ما يشعر المصنعين بغياب العدالة.
ويضرب شرف مثالًا على ذلك بأن لجنة التسعير تسمح ببيع المضاد الحيوي الشهير أوجمنتين بحوالي 210 جنيهات، بينما تفرض على المنتجين المحليين ممن يرغبون في تقليده سعر 70 جنيهًا، ويرى أن هذا التفاوت هو السبب في أن أغلب الأنواع المثيلة لأوجمنتين غائبة فعليًا عن السوق.
ويضرب مثالًا آخر بحقنة ديبوفيت الخاصة بالأعصاب، التي يُقدَّر سعرها بحوالي 45 جنيهًا، بينما السعر المسموح له للمثيل المحلي هو 6 جنيهات "لذلك لا تنتجها الشركة".
يشرح المدير التنفيذي لمركز الحق في الدواء محمود فؤاد لـ المنصة أن العديد من أسعار الأدوية المثيلة في السوق المصرية تتناقض مع "لائحة التسعير التي تنص على حساب السعر بنحو 65% من سعر الدواء الأصلي لأول خمسة أدوية مثيلة، حسب تاريخ التقدم للتسعير، و60% لباقي الأدوية المثيلة".
ويرى فؤاد أن التفاوت يحدث أيضًا في سرعة الاستجابة لتحديث أسعار الأدوية بين شركة وأخرى، ما يخلق نوعًا من اللا مساواة بين الشركات، "منذ منتصف عام 2022 رفعت نحو 5 شركات أسعارها حوالي ثلاث مرات بناء على موافقة لجنة التسعير على التظلمات، وهو ما ترتب عليه أننا وجدنا أن هناك بعض أصناف الأدوية تم تصنيعها خلال الفترة الماضية بأسعار مختلفة لكل تشغيلة، بينما تعاني شركات أخرى من إعادة تحديث أسعار أدويتها".
كانت هيئة الدواء اعتمدت زيادات في أسعار حزم من الأدوية في مايو/أيار الماضي، استجابة لمطالب شركات بمواكبة السعر لارتفاع الدولار في مارس/آذار الماضي، وهو الإجراء الذي تكرر في السابق مع تغيرات سعر الصرف.
نظام إلكتروني بديل عن البشري؟
يرى شرف أن حل مشكلات التسعير يمكن أن يتحقق من خلال الاستغناء عن التدخلات البشرية والاعتماد على تطبيق نظام إلكتروني مُمَيكن في التسعير.
يضيف شرف "تم تطبيق هذه الآلية في مصر سابقًا عام 2017، حيث قامت الهيئة بتحريك سعر نحو 25 ألف صنف في أسبوع واحد فقط، وتم تنفيذها مجددًا في 2019، لكن بعدها توقف استخدام هذا النظام".
حاولت المنصة التواصل مع رئيس هيئة الدواء الدكتور على الغمراوي، ومع المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة أحمد سالم، ولكننا لم نتلق ردًا منهما بشأن الانتقادات الموجهة لآلية التسعير.
لكن رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية في مصر علي عوف، قال لـ المنصة إن التسعير يتم حاليًا على أسس عادلة.
"لجنة التسعير التابعة لهيئة الدواء ملمة بكافة تفاصيل الصناعة وتسعى لوضع السعر العادل وفقًا لقرارات مدروسة تعتمد على تكلفة إنتاج الدواء، كما أن المُصنّع لديه الحق في تقديم التظلم لدى اللجنة أكثر من مرة"، كما يقول عوف.
ويشير رئيس شعبة الأدوية إلى عدد من الإجراءات التي يمكن أن يتبعها المصنعون لتلافي مشكلات التسعير، منها تقديم دراسة جدوى للدواء المراد تسعيره إلى لجنة التسعير، ما يساعد على تحديد تكلفة إنتاج الدواء من البداية ويُسهِّل عمل اللجنة وتفادي أي لبس في التسعير.
وأشار عوف إلى أن اللجنة تدرس كافة حالات التسعير المماثلة خلال جلسة واحدة لضمان المساواة في اتخاذ قرارات التسعير، وأن وزارة الصحة في طريقها لتطبيق نظام التسعير الإلكتروني في وقت لاحق.
يُرجع المدير التنفيذي لمركز الحق في الدواء الاختلاف في تقدير مدى كفاءة أو سرعة استجابة لجنة التسعير إلى التفاوت في الاستجابة، حسب كل شركة، ويرى أن الشركات الصغيرة هي الأكثر معاناةً في هذا المجال.
ويرى فؤاد أن إشعار مصنعي الدواء بالعدالة، ومن ثم تحفيزهم على توفير الأدوية بشكل أكبر، يستلزم وجود آلية للتسعير أكثر وضوحًا، وتستجيب بوتيرة أسرع للتغيرات في تكاليف الإنتاج.