اعتبر تقرير وزارة الخارجية الأمريكية أن أوضاع حقوق الإنسان في مصر لم تشهد "تغييرات ملحوظة" خلال العام الماضي، مُجددة في تقريرها السنوي عن حالة حقوق الإنسان لعام 2023، الإشارة إلى وجود تقارير موثقة بشأن عدد من القضايا المهمة من بينها "القتل التعسفي، أو خارج نطاق القانون، والإخفاء القسري، والتعذيب، وفرض قيود خطيرة على حرية التعبير والإعلام".
وقالت الخارجية الأمريكية، في تقريرها السنوي الصادر يوم الاثنين الماضي، إن "في معظم الحالات لم تقم الحكومة المصرية بإجراء تحقيقات شاملة أو ملاحقة قضائية في مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك معظم حوادث العنف على أيدي قوات الأمن، فضلًا عن الفساد، مما ساهم في خلق بيئة من الإفلات من العقاب".
وكانت الخارجية الأمريكية وجّهت، في تقريرها السنوي لعام 2022، انتقادات مماثلة إلى مصر، تضمنت أيضًا، "المعاملة غير الإنسانية من قبل الحكومة، وظروف السجن القاسية والمهددة للحياة، والاعتقال التعسفي، والسجناء والمعتقلين السياسيين، والتدخل التعسفي أو غير القانوني في الخصوصية".
وتتشارك الخارجية الأمريكية مع منظمات حقوقية عديدة في توجيه الانتقادات لمصر بشأن سجن البعض بتهم سياسية، تتشابه إلى حد التطابق، من بينها "الانضمام لجماعة أسست على خلاف أحكام الدستور والقانون، بهدف التحريض ضد نظام الحكم"، و"بث ونشر وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة"، و"إساءة استخدام وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي"، و"مشاركة جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها"، لكن الحكومة المصرية تنفي باستمرار وجود سجناء سياسيين.
القتل التعسفي
وتحت بند احترام كرامة الشخص، أشارت الخارجية الأمريكية إلى "وجود تقارير عديدة تفيد بارتكاب الحكومة أو وكلائها عمليات قتل تعسفية، أو غير قانونية أثناء قيامهم باعتقال أشخاص أو احتجازهم". ولفتت إلى "إفادات جماعات حقوقية محلية ودولية عن حالات تعذيب لأشخاص حتى الموت في السجون ومراكز الاحتجاز".
وقالت إنه "رغم وجود آليات للتحقيق في الشكاوى المتعلقة بانتهاكات قوات الأمن، سواء من خلال مكتب المدعي العام أو المجلس القومي لحقوق الإنسان شبه الحكومي، أفادت مجموعات متعددة بأن التحقيقات في الوفيات أثناء الاحتجاز غالبًا ما خلصت إلى أن الوفاة حدثت لأسباب طبيعية".
وأضافت "جرت المحاكمات والإدانة في عدد قليل من القضايا، لكن يبقى غياب المساءلة مشكلة رئيسية".
وجدد التقرير الإشارة إلى وفاة الخبير والباحث الاقتصادي أيمن هدهود في مارس/آذار عام 2022، وقال إن أسرته طلبت من النائب العام، في مارس الماضي، إعادة فتح التحقيق في الظروف المحيطة بوفاته، لكن الطلب تم رفضه في أبريل/نيسان الماضي بناء على قرار سابق بأن "هدهود توفي بسبب مرض مزمن في القلب، ولا يوجد أساس لقضية جنائية".
واختفى هدهود في 5 فبراير/شباط 2022، وبعد مرور 63 يومًا تلقت أسرته اتصالًا من أحد ضباط قسم شرطة مدينة نصر ثان يخبرهم أن هدهود توفي في مستشفى العباسية للأمراض النفسية.
وبعد إعلان وفاته أصدرت النيابة العامة، في أبريل، بيانًا قالت فيه إنه كان مودعًا في مستشفى العباسية بناء على قرار منها.
وعلى مدار أشهر لقت قضية هدهود زخمًا محليًا وعالميًا إثر وفاته بعد أسابيع من اختفائه قسريًا. وكانت المنصة وثقت الساعات الأخيرة من حياته داخل المستشفى، والمخالفات التي شهدتها عملية إيداعه المستشفى.
وجدد التقرير أيضًا الإشارة إلى قضية الباحث الإيطالي جوليو ريجيني، مشيرًا إلى أن "مسؤولي المحكمة الإيطالية حددوا شهر فبراير/شباط الماضي موعدًا للمحاكمة الغيابية لأربعة من ضباط الأمن المصريين المتهمين باختطاف وقتل ريجيني عام 2016، بعد أن قضت المحكمة العليا الإيطالية في سبتمبر/أيلول 2022 بإمكانية استمرار المحاكمة".
إخفاء قسري
وقالت الخارجية الأمريكية إن "جماعات حقوق الإنسان وعائلات بعض السجناء المتوفين زعموا أن سلطات السجن منعت السجناء من الحصول على رعاية طبية قد تنقذ حياتهم، وفي بعض الحالات رفضت طلبات نقل السجناء إلى المستشفى، مما أدى إلى الوفاة في السجن"، مشيرة إلى "تقرير لمنظمة مراقبة محلية تحدث عن وفاة نحو 35 سجينًا ومعتقلًا نتيجة سوء المعاملة أو الإهمال الطبي خلال العام".
وأشارت إلى "إبلاغ جماعات حقوق الإنسان الدولية والمحلية عن أعداد كبيرة من حالات الاختفاء القسري، زاعمة أن السلطات استخدمت هذا التكتيك لترهيب المنتقدين". وقالت "احتجزت السلطات في بعض الأحيان أفرادًا دون تقديم أوامر اعتقال أو تفتيش".
وأضافت أن فريقًا من تسع منظمات محلية مستقلة لحقوق الإنسان قدم في يناير/كانون الثاني، تقريرًا كجزء من عملية المراجعة الدورية الشاملة للأمم المتحدة، وصف خلاله حالات الإخفاء القسري بأنها "منهجية وواسعة النطاق".
وأشار إلى توثيق وسائل إعلام محلية وجماعات حقوقية حالات إخفاء قسري لعشرات المتهمين، من بينهم أحمد حمدي السيد سليمان، المعروف باسم أحمد جيكا.
وسألت لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة، مصر، عن 4 آلاف شخص تلقت اللجنة تقارير تفيد بإخفائهم قسريًا، وذلك خلال جلسة عقدت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بمقر الأمم المتحدة في جنيف.
انتهاك حقوق السجناء
ولفت التقرير إلى أن الدستور ينص على عدم جواز ممارسة أي تعذيب، أو ترهيب أو إكراه أو أذى جسدي أو معنوي على أي شخص تقيد حركته عندما تكون السلطات قد احتجزته أو اعتقلته. وأن قانون العقوبات يحظر التعذيب لانتزاع اعتراف من مشتبه به محتجز أو معتقل، بينما أشار إلى أن النص "لا يأخذ في الحسبان الإساءات العقلية أو النفسية ضد الأشخاص الذين لم تتهمهم السلطات رسميًا، أو الانتهاكات التي تحدث لأسباب أخرى غير الحصول على الاعتراف".
وأضافت أن منظمات حقوقية محلية أفادت بأن "الممارسات التعسفية كانت منهجية"، مشيرة إلى "توثيق مجموعة حقوقية محلية رائدة تركز على التعذيب وسوء معاملة السجناء والمعتقلين، ما يقرب من 2700 انتهاك لحقوق السجناء، بما في ذلك التعذيب والإهمال الطبي المتعمد".
ونوهت الخارجية الأمريكية إلى أن التقرير الأخير للمجلس القومي لحقوق الإنسان، الذي يغطي الفترة من ديسمبر/كانون الأول 2020 إلى مايو/أيار 2023، لفت إلى أن 4.5%، من بين أكثر من 2000 شكوى تتعلق بانتهاكات الحقوق المدنية والسياسية، تضمنت مزاعم تعذيب أو سوء معاملة.
وانتقدت الخارجية الأمريكية الظروف في السجون ومراكز الاحتجاز، ووصفتها بأنها "قاسية وتهدد الحياة بسبب الاكتظاظ الواسع النطاق وعدم توفر فرص الحصول على الرعاية الطبية، والصرف الصحي المناسب، والتهوية والغذاء والمياه الصالحة للشرب".
وأشارت في هذا الصدد إلى محاولة الشاعر المسجون جلال البحيري الانتحار في سبتمبر/أيلول الماضي، بعد أن بدأ إضرابًا عن الطعام في مايو احتجاجًا على الأوضاع في مركز إصلاح وتأهيل بدر.
كما أشارت إلى تحقيق أجرته لجنة من خبراء الأمم المتحدة في يناير/كانون الثاني 2023، يدعو الحكومة إلى السماح للمرشح الرئاسي السابق ومؤسس حزب مصر القوية عبد المنعم أبو الفتوح، بالحصول على الرعاية الطبية اللازمة. وجاء رد الحكومة في أغسطس/آب الماضي بأن أبو الفتوح يتلقى جميع العلاجات اللازمة.
تقييد الصحافة وحجب المواقع
قالت الخارجية الأمريكية إنه بينما يكفل الدستور حرية التعبير "لم تحترم الحكومة هذا الحق في كثير من الأحيان، وواجه المدافعون عن حقوق الإنسان والصحفيون والنشطاء وغيرهم محاكمة جنائية بانتظام بتهم قيّم المراقبون أنها جاءت رداً على انتقادات للحكومة".
وأضافت أن "وفقًا لتقارير وسائل الإعلام وجماعات حقوق الإنسان المحلية والدولية، قامت السلطات بانتظام بمضايقة وترهيب المدافعين عن حقوق الإنسان والناشطين ورموز المعارضة والصحفيين خلال العام".
وانتقدت "فرض قيود على حرية الصحافة"، واستمرار حجب المواقع الإلكترونية بما في ذلك مدى مصر منذ 2017، والمنصة منذ 2018.
وتعاني المئات من المواقع الإخبارية والحقوقية في مصر من الحجب خارج إطار القانون، ومن ضمنها المنصة.
مارست الحكومة تقييد حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات
وأشارت الخارجية الأمريكية إلى أنه "رغم أن الدستور يحظر أن تعمل الحكومة على قطع أو منع استخدام المواطنين لجميع أشكال الاتصالات عبر الإنترنت، شاركت السلطات في مثل هذه الأنشطة بانتظام"، لافتة إلى فرض رقابة مشددة على البنية التحتية للإنترنت، وحسابات وسائل السوشيال ميديا.
وصنف تقرير "فريدوم هاوس" للحرية على الإنترنت لعام 2023 مصر بأنها غير حرة، وذكر أن "حرية الإنترنت وحقوق مستخدمي الإنترنت مقيدة بشدة".
وقالت الخارجية الأمريكية إن "الحكومة مارست بشكل روتيني تقييد حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات". وأشارت إلى أن السلطات نادرًا ما تصدر تصاريح للمظاهرات، مما يجعل المشاركة في الاحتجاجات القانونية أمرًا مستحيلًا.
كما أشار التقرير إلى مظاهرات دعم فلسطين في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وقال "تردد على نطاق واسع في البداية أنها حظيت بموافقة الحكومة. وحسب ما ورد أُلقي القبض على أكثر من 100 شخص لمشاركتهم في احتجاجات أخرى غير مصرح بها، في ميدان التحرير بالقاهرة والإسكندرية، وفقًا لوسائل الإعلام المحلية والدولية".
وتزامن صدور التقرير مع ممارسة الشرطة الأمريكية قمعًا غير مسبوق ضد المظاهرات الداعمة لفلسطين، حيث اعتقلت مؤخرًا 600 من المشاركين في الاحتجاجات بالجامعات الأمريكية.
وأشارت الخارجية الأمريكية إلى "انتهاكات ومخالفات" في الانتخابات الرئاسية التي جرت في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بما في ذلك الإجراءات التي تمنع المرشحين المعلنين من التأهل للانتخابات.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي أعلنت الحملة الانتخابية للسياسي أحمد الطنطاوي خروجه من سباق الانتخابات الرئاسية المقبلة، لعدم تمكنهم من استكمال عدد التوكيلات المطلوبة للترشح. وخلال الحملة انتقدت عدة جهات حقوقية وسياسية، من ضمنها الحركة المدنية الديمقراطية، الانتهاكات التي تحدث عند تحرير التوكيلات الشعبية لبعض راغبي الترشح، في مقدمتهم الطنطاوي.
مصر تدرس الرد
من جهتها، تدرس مصر الرد على تقرير الخارجية الأمريكية بالأرقام، حسب مشيرة خطاب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان، التي قالت في تصريحات تليفزيونية لقناة TEN، مساء الثلاثاء الماضي، إن "وزير الخارجية الأمريكي منذ فترة ليست بالطويلة أشاد بوضع حقوق الإنسان في مصر".
بينما أشار النائب طارق رضوان، رئيس لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان، في مداخلة هاتفية مع القناة نفسها، إلى أن "الولايات المتحدة الأمريكية تعيش حالة من الازدواجية في المعايير، بدليل موقفها من الحرب في غزة. ووصف تقرير حالة حقوق الإنسان عن مصر بأنه "مضحك ويسرد بعض التقارير عن بعض المصادر غير الموثوقة".
ويرصد التقرير حالة حقوق الإنسان، في نحو 200 دولة ليست من بينها الولايات المتحدة، وتزامن صدوره هذا العام مع انتقادات لواشنطن بشأن ازدواجية المعايير في هذا الملف، حسب موقع قناة الجزيرة.
وفي مقدمة التقرير أشار وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، إلى أن الصراع بين إسرائيل وحماس في غزة "لا يزال يثير مخاوف وقلقًا عميقًا بشأن حقوق الإنسان"، منتقدًا "الهجمات الوحشية التي شنتها حماس على إسرائيل"، ومؤكدًا أن "تل أبيب تمارس حقها في الدفاع عن النفس".
وفي المؤتمر الصحفي الخاص بإعلان التقرير، نفى بلينكن وجود "ازدواجية معايير" في تطبيق القانون الأمريكي على مزاعم ارتكاب الجيش الإسرائيلي انتهاكات في غزة، قائلًا إن هذه "الاتهامات قيد المراجعة". وقال "بصورة عامة، بينما ننظر إلى حقوق الإنسان ووضعها حول العالم، فإننا نطبق المعيار نفسه على الجميع. هذا لا يتغير سواء كان البلد (المعني) خصمًا أو منافسًا أو صديقًا أو حليفًا".
لكن كبير مستشاري البرنامج الأمريكي في مجموعة الأزمات الدولية، برايان فينوكين، قال تعليقًا على بلينكن، إن هناك "خداعًا" في القول إن الشركاء والخصوم يتلقون المعاملة نفسها، حسب الجزيرة.
ولا يترتب على مثل هذا التقرير نتائج مباشرة على مصر أو علاقتها بالولايات المتحدة، حيث اعتادت القاهرة رفض ما يرد في مثل هذه التقارير، وفي بعض الأحيان يتم تعليق جزء من المعونة الأمريكية لمصر بسبب سجل حقوق الإنسان.