صفحة أخبار غزة على فيسبوك
دمار سببه القصف الإسرائيلي لأحد المناطق السكنية في قطاع غزة- ديسمبر 2023

اجتثاث الجذور الممنهج في غزة

إبادة عائلات بأكلمها في جريمة رضي بها العالم

منشور الاثنين 6 يناير 2025

كما هو بادٍ منذ اليوم الأول، لا يهتم العالم بنا ولا باستثغاثاتنا، بل يدخل معنا في سجالات تقنية بشأن ما إذا كان الذي يحدث في غزة إبادة عرقية أم لا. لكن يومًا بعد يوم، ينجلي المخطط الذي يستهدف منطقةً بخيراتها هي جنة الله على الأرض، وإن كانت مشكلتها الوحيدة أن بها بعض الحيوانات البشرية التي تعود جذورها إلى آلاف السنين.

نحن هنا في هذه المنطقة المنكوبة بجمالها، لا نفخر بقدم آثارنا من جدران ومعابد وأدوات حياتية يعود تاريخها إلى آلاف السنين، يستهدفها العدو بقصفها وتدميرها تارة، وبتزوير تاريخها تارة، وبسرقة الآثار تارة. لا حائل فعلي بين شعوب هذه المنطقة، ولا فارق كبير بين بناء المستوطنات على قرى فلسطينية عمرها آلاف السنوات، واستهداف بعلبك ومواقعها التاريخية، وسرقة متاحف سوريا والعراق، والمحاولات المتكررة لسلب المصريين اتصالهم بتاريخهم القديم.

فتلك السردية التي أفزعت بعض المصريين، وأخرجت منهم الوجه الكيمتي الذي يواجه خطرًا حقيقيًا بأساليب عنصرية تافهة بلهاء، تؤكد ادعاءات العدو ولا تنفيها، هي ذاتها السردية التي يُسلَب بها حق الفلسطيني في أرضه، وحقوق كافة شعوب المنطقة.

ولأن عملية محو تاريخنا الذي يُثبتُ حقنا في بلادنا وأراضينا عملية ممنهجة ومنظمة، التفت العدو إلى حقيقة أن السكان أنفسهم آثار حية تمشي على قدمين. ومن ثَمَّ، استهدف في حربه على غزة عائلات كاملة لمحوها من السجلات، لمحو الحق الفلسطيني التاريخي في أرضه. وهذا الأمر لا يخص الفلسطينيين فحسب، بل ينسحب على كافة شعوب المنطقة، بمن فيهم المصريون الذين أنتمي إليهم، لذا وجب التنويه والتنبه إلى أن الخطاب الانعزالي لا يخدم سوى اجتثاثنا من جذورنا ونفينا عن تاريخنا.

الإبادة العرقية باختصار مُخلّ

صورة لتهجير مجموعة من الفلسطينيين من قرية الرملة عام 1948

في اليوم التالي لعملية طوفان الأقصى، بدأت إسرائيل عدوانها على غزة. حصار وعزل وتجويع وقصف يستهدف كل شيء، لم تقتل عشرات الآلاف ولم تجعل القطاع كله مكانًا غير صالح للحياة فقط، لكنها اجتثت عائلات بأكملها من الجذور.

ينطبق على ما تقوم به إسرائيل توصيف الإبادة العرقية باعتبارها "إزالة ممنهجة قسرية لمجموعات إثنية أو عرقية من منطقة معينة، مِن قبل مجموعة عرقية أخرى أقوى منها، غالبًا بنية جعل المنطقة متجانسة عرقيًا". اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، التي تبنتها الأمم المتحدة عام 1948، نصت على ضرورة محاكمة أي طرف ينخرط في أعمال من هذا النوع.

ومنذ بدء العدوان في أكتوبر/تشرين الأول 2023، وحتى نوفمبر/تشرين الثاني 2024، وثقت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة محو أكثر من 1400 عائلة من السجلات بشكل كامل بعد استهداف جميع أفرادها وقتلهم بشكل مباشر، بمن فيهم الأطفال والنساء.

كما سُجِّلت مجازر كبيرة في أحياء سكنية مكتظة، مثل تلك التي استهدفت مخيم جباليا وحي الشجاعية، وأسفرت عن محو عشرات العائلات من السجلات. بالطبع لن نتمكن من ذكر كافة العائلات المستهدفة، لكن هنا أبرزها:


  • أبو العطا: شطبت عائلة طارق أبو العطا في دير البلح بأكملها من السجلات.
  • أبو عيطة: استهدف منزلها في جباليا.
  • الدحدوح: استهدفت منازل للعائلة عدة مرات في مناطق متفرقة من غزة.
  • الغندور: استهدف الاحتلال منزلها وقت كان يضم أكثر من 120 فردًا من الأسرة.
  • أبو جزر: حولت طائرات الاحتلال منزل العائلة في رفح إلى ركام.
  • النجار: استهدف منزل العائلة في خان يونس ما أسفر عن مقتل عدد من أفرادها.
  • أبو عبيد: قتل الاحتلال عشرين من أفرادها في قصف لمنزل العائلة بمخيم جباليا.
  • أبو شمالة: تعرض منزلها لغارة جوية أسفرت عن دماره بالكامل ومقتل من كانوا فيه.
  • أبو عودة: استهدفت غارة إسرائيلية منزلها في جباليا، مما أدى إلى مقتل أفراد من العائلة.
  • أبو حليمة: استهدفت غارة منزلها في بيت لاهيا.
  • السوافيري: استشهد غالبية أفرادها نتيجة غارة على حي الزيتون.
  • الأسطل: قتل أكثر من 60 فردًا منهم في غارة استهدفت منزلهم في خان يونس.
  • عبد العال: تعرض منزلهم في رفح للتدمير وقتل جميع أفراد العائلة.
  • قشطة: استهدف منزلهم في رفح بغارة جوية أدت إلى مقتل معظم أفراد العائلة.
  • الحناوي: فقدت ستة أفراد من أسرتها في قصف قرب مركز جباليا.
  • البيوك: قتل الاحتلال ثمانية من أفرادها في خان يونس، سبعة منهم في نفس اليوم​.

هذا بخلاف الاستهداف الممنهج والمتكرر على مدار عام وثلاثة أشهر ضد عائلات النمنم، والغول، والسموني، وأبو حبل، والكفارنة، والزعزوع، وعبيد التي تعود جذورها في غزة إلى أكثر من ألف عام، والهندي الموجودة في فلسطين منذ 1780، وكحلوت وعمرها أكثر من 850 سنة، والخطيب والحواجري، وعمرهما أكثر من ألف عام.

عائلات بأكملها، بعضها تشكَّل وتكوَّن وحمل اسمه الحالي على مدى هذه القرون، تمحى من على وجه البسيطة. عائلات هي عقود الملكية الحية للأراضي الفلسطينية، يمحوها المستعمر ليزيف تاريخًا جديدًا مختلقًا بُني على الخرافة والتراهات.

اكتبوا تاريخ العائلات

جنود إسرائيليون خلال العملية البرية داخل قطاع غزة، يناير 2024

التاريخ لا يعلَم أن جد نتنياهو كان هنا، لكنه يعلم أن أجداد أجداد أجداد هؤلاء الضحايا استقروا في هذا المكان منذ آلاف السنين، وهذا مثبت في كتب التاريخ، وكتب الأنساب، ومخطوطات العائلات التي لا بد وأنها احترقت في هذه الحرب الدنيئة التي تواطأ فيها العالم أجمع.

رغم المأساة الكبيرة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، فإن هناك استجابة من قبل الفصائل الفلسطينية في غزة، إذ تبذل جهودًا متواصلة للدفاع عن القطاع والرد على الهجمات الإسرائيلية، ولكن نظرًا للاختلال الكبير في موازين القوى بين الطرفين، لا تبدو هذه الردود كافيةً لتوفير الحماية للمواطنين الفلسطينيين.

لقد عمدت إلى ذكر هذه العائلات هنا في محاولة فردية لجمع ما استطعت جمعه، فإن لم يبق أحد منهم، فلتبق قصتهم. هنا كان السكان الأصليون، هنا كان أصحاب الحق والتاريخ والملكية. اذكروهم وارووا قصتهم.

وإنني أهيب بكل المؤرخين العرب، ومحققي الأنساب، ومقتفي آثار العائلات أن يدونوا تاريخ كل عائلة بما يدعم أقوالهم ويؤيدها من أدلة علمية.

وأهيب بكل مواطن عربي أن يؤرخ لعائلته، ويحفظ وثائقها القديمة ولو في عينيه؛ دعك من التفاخر وادعاء الانتماء لسلالة الأمراء والنقباء والنجباء، لو أنك سليل لص أو قاطع طريق، فأنت صاحب هذه الأرض، وجذورك هناك. 

اكتبوا تاريخ العائلات، ولتروِ كل عائلة قصتها. نحن لا نعلم القادم، ولا نرى نهاية لغي العدو، وإن كان بعضنا يتيه على البعض الآخر بفروقات لا يراها العدو، فنحن في عين العالم مجرد حيوانات بشرية

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.