صفحة وزارة البترول على فيسبوك
وزير البترول كريم بدوي، 14 يوليو 2024

هل تُجنِّبنا خطة "بدوي" أزمة صيف مظلم في 2025؟

منشور الأربعاء 8 يناير 2025

خلال الشهور القليلة التي تلت تعيين وزير البترول كريم بدوي في يوليو/تموز الماضي، رصدت الصحافة لقاءات مكثفة له مع ممثلي شركات استخراج النفط والغاز في مصر، ولا عجب في ذلك فالوزير جاء في أعقاب أزمة حادة من نقص الوقود تسببت في تعطيل القطاع الصناعي ومفاقمة عجز الميزان التجاري، ناهيك عن انقطاعات التيار الكهربائي الممتدة والمتكررة وما سببته من غضب شعبي واسع. 

حاول بدوي خلال الأشهر الماضية تقديم حزمة كبيرة من الحوافز للشركات من أجل تعظيم معدلات الإنتاج، لكن خبراء يرون أنه ما زال يواجه العديد من التحديات حتى يستطيع الوصول لمستويات إنتاج تجنبنا انقطاع الطاقة.

ملامح حزمة الحوافز

عاش قطاع النفط تحولات درامية خلال العقد الأخير، خصوصًا في إنتاج الغاز الطبيعي الذي انتعش بعد اكتشاف حقل ظهر حتى وصل إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي في 2018، ثم بدأ يتدهور منذ 2023.

ساهم الانخفاض الكبير في إنتاج الغاز عن مستوى احتياجاتنا الاستهلاكية، المقدرة بنحو ستة مليارات قدم مكعب يوميًا خلال العامين الماضيين، في انقطاع ضخ الطاقة للأنشطة الأساسية، مثل إنتاج الكهرباء والنشاط الصناعي، أكثر من مرة خلال العامين الماضيين، ما خلّف آثارًا اقتصادية واجتماعية واسعة النطاق.

وعلى مستوى إنتاج البترول الخام، ظلّت مصر بعيدة عن الاكتفاء الذاتي خلال العقد الأخير، لكن الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك اتسعت بقوة في آخر عامين أيضًا.

ويُعزى هذا التراجع في توفير موارد الطاقة المحلية بشكل أساسي إلى أزمة الدولار التي تسببت في التأخر عن سداد مستحقات لشركات الاستخراج، ما أدى لانكماش أداء القطاع خلال العام المالي 2023-2024.

الحوافز تشمل السماح لشركات التنقيب بتصدير جزءٍ أكبر من حصتها بدلًا من بيعها للدولة

ولاستعادة زخم الاستثمارات الأجنبية تبنت وزارة البترول تحت قيادة بدوي حزمة من الإجراءات المحفزة للشركات لا تقتصر على جدولة سداد المستحقات القديمة، لكنْ تمتد أيضًا إلى تيسيرات في إجراءات التصدير.

يوضح مصدر في الشركة القابضة للغازات/إيجاس، طلب عدم نشر اسمه، أن الإجراء الأخير يوفّر للشركات فرصًا أكبر في تصدير حصتها من الموارد المستخرجة، بدلًا من بيعها للدولة، ما يقلل من مخاطر تعرض هذه الشركات لتوقف التدفقات النقدية حال واجهت الدولة أزمات في نقص النقد الأجنبي.

ويؤكد المصدر أن الحوافز الجديدة تلزم الدولة حال رغبتها شراء الحصص المخصصة للتصدير أن تشتريها بتسعيرة أكثر تعبيرًا عن تكلفة الإنتاج "إذ تختلف مثلًا تسعيرة الإنتاج من الحقول البرية عن الحقول الواقعة بالمياه العميقة".

وتدعو الشركات الأجنبية أيضًا لرفع السعر الذي تشتري به الدولة منها الموارد المستخرجة، ويقول المصدر إن الحكومة أبدت تفهمها لهذه المطالب في ظل "ارتفاع تكاليف الإنتاج وعمليات التنقيب والاستكشاف في المياه العميقة بالبحر المتوسط التي تعتبرها الدولة المنطقة الأكثر قدرةً على تلبية طموحات الوصول إلى مكامن نفطية وغازية جديدة". 

ونشرت المنصة في تقرير سابق أن الشركات الأجنبية طلبت رفع أسعار الوحدات الحرارية، خصوصًا في حقول الغاز بالصحراء، ليكون سعر المليون وحدة حرارية 3 دولارات بدلًا من 2.65 دولار، ويبدأ سعرها في الحقول البحرية من 3.5 دولار ليصل إلى 6 دولارات بحقل ظهر.

ويرى المصدر أن "تعديل سعر الغاز للشركاء سيُمثل علامة جوهرية في خطط الشركاء الأجانب نحو العودة لبرامج تنمية الإنتاج والتنقيب عن حقول جديدة".

تكثيف الطروحات 

بجانب الحوافز المالية، اتجهت وزارة البترول لتكثيف طرح مناطق الاستكشاف على المستثمرين، وأعلنت في أغسطس/آب الماضي طرح مزايدة عالمية للبحث عن الغاز والبترول في 12 قطاعًا بالبحر المتوسط ودلتا النيل، كما أدرجت من خلال بوابة مصر للاستكشاف والإنتاج نحو 61 منطقة متاحة لمختلف أعمال الاستكشاف. 

تنمية الحقول القائمة لزيادة إنتاجها مسار بديل لحين تشغيل الحقول الجديدة

وحتى الآن لم يجر الانتهاء من مزايدة أغسطس الماضي، إذ لا يزال باب تلقي العروض مفتوحًا، لكنَّ ثمة مؤشرات إيجابية ظهرت خلال الفترة الأخيرة بخصوص تنمية الحقول القائمة، من أبرزها استقدام شركة إيني الإيطالية حفارًا للعمل في حفر آبار إضافية بحقل غاز ظهر نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي.

ويقول الخبير بقطاع البترول رمضان أبو العلا لـ المنصة إن أعمال تنمية الحقول القائمة تساعد على تخفيف حدة أزمة نقص الموارد البترولية، "الاكتشافات الجديدة تحتاج إلى مُدد زمنية طويلة لبدء الإنتاج، لذا لجأت وزارة البترول إلى السير في مسار آخر وهو تنمية الحقول القائمة لتعزيز الإنتاج لحين تشغيل الحقول الجديدة".

بينما يرى المصدر في إيجاس أن "ارتفاع إنتاج الغاز الطبيعي والعودة من جديدة إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي مرهون بالوصول إلى اكتشافات غازية جديدة، تكون قادرة على إحداث تحول في سوق الغاز المصري".

هل تكفي الحوافز للخروج من الأزمة؟

ربما يترقب الرأي العام صيف 2025 للحكم على مدى قدرة الوزير الجديد على إخراج القطاع من أزمته، ولكن خبير قطاع البترول مدحت يوسف يرجح أن يستمر عجز توفير الطاقة خلال العام الحالي أيضًا، يقول لـ المنصة "الحوافز التي قدمتها وزارة البترول إلى الشركاء الأجانب لن تُحقق الاكتفاء الذاتي على المدى القريب، لكنها ستُسهم في تنمية الإنتاج بشكل ملحوظ، إذ يستغرق الوصول إلى اكتشافات جديدة ودخولها مرحلة الإنتاج سنوات عدة".

ويضيف "السوق المحلية تعاني من فجوة كبيرة بين إنتاج واستهلاك الغاز الطبيعي، وتختلف الفجوة باختلاف الفصول، وتقدر بـ1.8 مليار قدم مكعب يوميًا في الشتاء، وتزداد إلى أكثر من ملياري قدم مكعب يوميًا في الصيف، وفجوة بهذا الحجم تعكس صعوبة تحقيق الاكتفاء الذاتي خلال 2025، خاصة مع تنامي استهلاك الغاز محليًا في القطاعات الصناعية والكهرباء".

ويشير الخبير البترولي إلى أنه حال قررت الحكومة الاستغناء عن استخدام المازوت وقودًا بديلًا للغاز، فإن الفجوة ستتضاعف، ومن ثم ستزداد حاجة الدولة إلى استيراد شحنات جديدة من الغاز، إذ يتم الاعتماد على المازوت محل الغاز بالأخص في محطات توليد الكهرباء.

فيما يرى أستاذ هندسة الطاقة والرئيس التنفيذي السابق لجهاز تنظيم مرفق الكهرباء، حافظ سلماوي، أن قطاع البترول بحاجة إلى إقرار ضمانات للشركاء الأجانب وليس حوافز لتسهيل أداء المستثمرين بقطاع النفط والغاز الطبيعي.

ويقول لـ المنصة "الحوافز المقدمة للشركاء جيدة لكنها تحتاج إلى ضمانات بالالتزام ببنود التعاقد والسداد الدوري للمستحقات دون تأخير"، وينصح إلى جانب تقديم الحوافز بتبني مشروعات تقوم على أساس الاستثمار في إيجاد مخزون استراتيجي للغاز في البلاد على غرار البلدان الأوروبية، للجوء إليه وقت نقص الغاز في السوق المحلية.

يشير سلماوي كذلك إلى ضرورة الاتفاق مع الشركاء الأجانب على استعمال وسائل "الإنتاج المعزز"، وهي آلية تسمح بزيادة الإنتاج، وإن كانت أعلى تكلفة من الإنتاج العادي للغاز فإنها أرخص من استيراده من الخارج. 

جدد رئيس الجمهورية هذا الشهر تأكيده على ضرورة الالتزام بسداد مستحقات الشركات البترولية، ما يعبر عن حرص الدولة على إنجاح خطة التحفيز للشركات، لكن ثمار هذا التحفيز لن نجنيها إلا على المدى المتوسط أو الطويل. علينا اكتشاف الحقول الجديدة بجانب تنمية الحقول القائمة.