يبدو أن المجازر التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، لم تحيي القضية الفلسطينية في بيوت المصريين فحسب، وإنما دبت الحياة في لجنة نيابية، كان سكونها يوحي أنها دخلت في سبات عميق.
أمس الاثنين، عقدت لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، اجتماعًا مطولًا، أداره رئيسها، النائب طارق رضوان، لإعداد ملف متكامل عن الانتهاكات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، لفضح الكيان المحتل أمام العالم.
لكن الاجتماع، الذي وضع هدفًا هامًا لجدول أعماله وخرج بتوصيات كثيرة، لم تكن صيغته هي اللافتة للنظر، وإنما التغير الطارئ الذي دخل على تركيبة نقاشاته والمشاركين فيها، حيث استضاف المحاميان الحقوقيان، نجاد البرعي وأحمد راغب، بالإضافة إلى ممثلين آخرين عن المجتمع المدني، الذي اعتادت اللجنة العمل بعيدًا عنهم، وهو ما يمثل نقلة نوعية في سياستها.
عود أحمد
منذ تكليفي بتغطية أخبار مجلس النواب، قبل سبع سنوات، وأنا أختص لجنة حقوق الإنسان باهتمامي الأكبر، لما هو مفترض به أن تناقشه من موضوعات وقضايا ملحة. وربما يكون ذلك هو الدافع وراء تراجعي عن الاهتمام بفعالياتها، منذ الفصل التشريعي الحالي، الذي بدأ في 2021، والذي لا أذكر أنها خصصت فيه أي اجتماع لمناقشة أي قضايا حيوية في مجال الحقوق السياسية. بالإضافة إلى تغافلها عن نقاش مشكلات مزمنة مثل الحبس الاحتياطي مفتوح المدة، والحبس في قضايا الرأي، رغم أن رئيسها ووكيليها تلقوا الكثير من الشكاوى عن المشكلتين طوال تلك السنوات، مقرونة بحلول مقترحة، لم تلق في المقابل أي إنصات أو محاولة لطرحها داخل قبلة المجلس.
وفضلًا عن ذلك، كرست اللجنة اهتمامها لملف الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ومبادرة حياة كريمة، وتفعيل قرارات تشكيل وحدات حقوق الإنسان في الوزارات المختلفة، أو الدفاع عن السلطة في مواجهة أي تقارير دولية تتهم الأخيرة بأي انتهاك للحقوق المدنية والسياسية.
أما جلسة الاثنين الماضي، التي شهدت حضورًا مكثفًا للنواب سواء كانوا أعضاء في لجنة حقوق الإنسان أو من خارجها، وكذلك مدعوون يشاركون للمرة الأولى في جلسة برلمانية، بجانب المشاركة المعتادة لرئيسة المجلس القومي لحقوق الإنسان مشيرة خطاب، وبعض الحقوقيين مثل رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان عصام شيحة، وسعيد عبد الحافظ رئيس ملتقى الحوار للتنمية والإعلام، ورئيس مؤسسة ماعت للسلام وحقوق الإنسان أيمن عقيل، ورئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان علاء شلبي، فضلًا عن الصحفيين الممثلين للصحف المختلفة.
الطريق للجنائية الدولية
أجمع المشاركون في الاجتماع على ضرورة العمل للوصول بجرائم الاحتلال الإسرائيلي للمحكمة الجنائية الدولية، وإدانة المسؤولين عنها، وذلك اعتمادًا على تصريح المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، الذي عدّ عرقلة إمدادات الإغاثة لسكان قطاع غزة "جريمة بموجب اختصاص المحكمة". وهي الرغبة التي أبدت مشيرة خطاب استعدادها لتلبيتها بتحريك ملف الانتهاكات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، أمام المحكمة الجنائية الدولية.
وبسبب الجدية التي هيمنت على الجلسة، والأهمية التي تحوزها القضية، بالإضافة إلى ما أبداه المشاركون فيها من مواقف، فإن المرور على نقاطها الهامة، بما يقتضيه القالب المقالي من إجمال، سيخل بضرورة التوثيق لها، لذا قررت أن أستعرض أبرزها، مع مراعاة الإيجاز اللازم.
أشار وكيل لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب النائب أيمن أبو العلا، إلى ضرورة الرجوع إلى توثيق الانتهاكات الإسرائيلية قبل سنوات كثيرة من الحرب التي شنتها على غزة في 7 أكتوبر الجاري، وعدم الاكتفاء بما حدث بعد ذلك اليوم، بما أن فلسطين عضوة بالمحكمة الجنائية منذ 2015.
ومن جهتهما أعد المحاميان أحمد راغب ونجاد البرعي ورقة قانونية، تستعرض كيفية ملاحقة الاحتلال الإسرائيلي دوليًا، وهو مسار يفترض ثلاث مراحل؛ أولًا التوثيق لما جرى، ثم التوجه إلى المحكمتين الجنائية الدولية والأوروبية لحقوق الإنسان.
لذلك دعا راغب في كلمته مجلس النواب لتشكيل لجنة تقصي حقائق، تعمل في محيط معبر رفح من جانبه المصري، لرصد ما وقع هناك من انتهاكات، قبل أن تتوجه لاحقًا، وحينما تسمع الظروف، إلى داخل غزة لاستكمال عملها، لافتًا إلى ضرورة إعداد ملفات تتضمن أسماء الضباط وكل مسؤول سياسي من المحرضين والمسؤولين عن وضع الخطط.
أما المرحلة الثالثة من المسار، فهي طلب تعويضات لضحايا الانتهاكات بعد إثباتها.
مسارات موازية
في الوقت نفسه، لفتت رئيسة المجلس القومي لحقوق الإنسان إلى أهمية العمل في مسارات أخرى ووضع أولوية لوقف التهجير القسري، وهو أحد جرائم الحرب بموجب القانون الدولي، مشيرة أيضًا إلى ضرورة "وضع أعيننا على التسوية النهائية، وعلى الهدف: الدولة الفلسطينية كاملة السيادة".
تحدثت خطاب كذلك عن ضرورة اختيار توقيت التحرك، الذي يجب أن يستغل فرصة انعقاد المجلس الدولي لحقوق الإنسان في جنيف حاليًا، ويسعى للتشبيك مع الجمعيات الأهلية وتنظيم فعاليات "الجمعيات صوتها أهم من صوت الحكومات".
ومع عجز مجلس الأمن عن اتخاذ قرارات ملزمة لإسرائيل، وطول الرحلة الزمنية التي ستقطعها مسارات التقاضي الثلاث، والتي ربما قد لا تؤدي إلى نتائج، اقترحت خطاب العمل على استبدال الجمعية العامة للأمم المتحدة بمجلس الأمن "مجلس الأمن عاجز، الحل هو استبداله بالجمعية العامة من خلال قرار اتحاد من أجل السلام، تنتقل السلطات للجمعية العامة وتصدر قرارات لها نفس القوة الإلزامية لمجلس الأمن".
تتحدث خطاب عن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 377 A، الذي ينص على أنه "إذا فشل مجلس الأمن، بسبب غياب الإجماع بين الأعضاء الدائمين، في ممارسة مسؤوليته الأساسية في الحفاظ على السلام والأمن الدوليين، وفي حالة وجود تهديد للسلام، أو خرق للسلام، أو عمل من أعمال العدوان، فإن الجمعية العامة سوف تنظر في المسألة على الفور، بهدف تقديم توصيات ملائمة للدول الأعضاء من أجل اتخاذ تدابير جماعية، بما في ذلك في حالة خرق السلام أو العمل العدواني، واستخدام القوة المسلحة عند الضرورة، للحفاظ على، أو استعادة السلام والأمن الدوليين".
الاصطفاف واجب.. ولكن
ولم ينس المحامي أحمد راغب، في زمرة الحديث عن انتهاكات حقوق الإنسان، أن يستدعي ملف مسجوني الرأي في مصر، مطالبًا بضرورة إخلاء سبيل جميع سجناء الرأي القدامى، الذين انضم إليهم سجناء جدد على خلفية مشاركتهم في مظاهرات لدعم الشعب الفلسطيني.
كما لفت إلى التحرك الذي اتخذه المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ضد موقع مدى مصر وإحالة ملفه للنيابة، على خلفية نشره تقريرًا صحفيًا يتعرض للأحداث في غزة، قائلًا "في هذه اللحظة السياسية وحالة الاصطفاف الوطني لابد أن يتوافق مع هذا الجهد الإفراج عن الناس اللي كان مفروض يتم الإفراج عنهم والناس اللي اتقبض عليهم في المظاهرات".
وانتقد قرار المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بحجب موقع مدى مصر لمدة ستة أشهر، بدعوى العمل دون ترخيص ونشره "أخبارًا كاذبة تضر بمقتضيات الأمن القومي" وهو ما يعده راغب خطوة في شق الاصطفاف الوطني "اللحظة الحالية تتطلب توحيد الصفوف".
توصيات
وحتى لا يكون الاجتماع مجرد وسيلة للتنفيس، فإن القائمين عليه انتهوا لإصدار مجموعة من التوصيات التي تهدف لبدء حراك دولي ينتهي بإدانة الاحتلال.
وتضمنت تلك التوصيات ضرورة وضع رؤية وخطة للتواصل مع اللجان ذات الصلة في البرلمانات الأوروبية والولايات المتحدة وكندا، وأيضًا البرلمانات المهتمة في أمريكا الجنوبية وآسيا وإفريقيا، للضغط على إسرائيل لوقف التهجير القسري للفلسطينيين والسماح بدخول المساعدات بشكل عاجل.
فضلًا عن بناء شبكة من العلاقات مع منظمات المجتمع المدني الدولية المهمة التي اتخذت مواقف لافتة خلال الأزمة، والعمل على عقد دورة طارئة لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، وطرح مشروع قرار عليهبشأن الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني.
وكذلك تكليف لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالأرض الفلسطينية المحتلة، والمشكلة من قبل مجلس حقوق الإنسان، ببدء تحقيق ميداني عاجل في الجرائم الدولية المرتكبة في قطاع غزة خلال أكتوبر 2023 وما بعده.
ثم أعلن طارق رضوان انتهاء الجلسة، التي ربما تعود اللجنة بعدها للسبات الذي لازمها منذ بدء دور الانعقاد الحالي، لكنها ستُسَجل رغم ذلك، كواحدة من أبرز اجتماعات اللجنة، وتبشر بمرحلة من التعاون الممكن مع الحقوقيين المستقلين، سواء في الملف الحقوقي المصري، أو في ملاحقة الجرائم الإسرائيلية والانتصار للشعب الفلسطيني.